ممدوح الولى يكتب: تآكل ثمار الإصلاح الاقتصادي المصري
السبت - 1 أكتوبر 2022
في مايو/أيار 2016 بدأت مصر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض كبير، لعلاج المشكلات الاقتصادية المتعددة حينذاك، من خلال اتفاق مع أسمته الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وافق عليه خبراء الصندوق في أغسطس/آب ووافق عليه المجلس التنفيذي للصندوق يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.
قدمت الحكومة عددا من البراهين التي تثبت جديتها لتنفيذ الاتفاق قبل موافقة المجلس التنفيذي، ومن ذلك إصدار قانون لضريبة القيمة المضافة وقانون تسوية المنازعات الضريبية، وقانون الخدمة المدنية وتحرير سعر الصرف ورفع الفائدة بنسبة 3%، وزيادة أسعار البنزين 80 و92 أوكتين، والسولار والكيروسين، والغاز الطبيعي للسيارات والمنازل وأسطوانات الغاز المنزلية والتجارية والكهرباء. وكل تلك القرارات التي كانت تمثل مطالب للصندوق، أشار إليها خطاب النوايا المصري الموجه لمديرة الصندوق بالسابع من نوفمبر/تشرين الثاني، لتتم الموافقة من قبل المجلس التنفيذي على برنامج إصلاح لـ 3 سنوات، يبدأ بالعام المالي 2016/2017 وحتى 2018/2019.
استمر الفائض موجودا حتى تداعيات فيروس كورونا، ليعود لحالة العجز في مارس/آذار 2020 لمدة 5 أشهر، ليتحول بعدها لتحقيق فائض لمدة 9 أشهر حتى منتصف عام 2021، ليعود لحالة العجز منذ يوليو/تموز 2021 وحتى الآن لمدة 13 شهرا
وتضمن خطاب النوايا مشكلات الاقتصاد المصري حينذاك، وأبرزها:
- مشكلة نقص العُملة التي أعاقت الصناعات التحويلية.
- استمرار السوق السوداء بالعُملة.
- تراجع التدفقات الرأسمالية الخاصة الواردة لمصر.
- انخفاض فترة تغطية الاحتياطيات من العملات الأجنبية للواردات إلى 3.5 أشهر.
وقد تصاعد الدين العام والفجوة التمويلية الكبيرة، ونسبة العجز المرتفع بالحساب الجاري، ونسب البطالة المرتفعة للشباب والنساء، وضعف ثقة السوق والمناخ غير المواتي للأعمال، وارتفاع نسبة التضخم لرقمين وصعوبة متطلبات التراخيص، وبلوغ مدفوعات فائدة الدين الحكومي حوالي ثلث مصروفات الموازنة، وبلوغ نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي 20%.
تكرار نقص الدولار بالبنوك
ومن يتابع أحوال الاقتصاد المصري بالعام الحالي يجد أن تلك المشاكل ما زالت مستمرة، بل زادت حدة بعضها عما كانت عليه قبل تنفيذ الاتفاق مع الصندوق، ومنها شكوى رجال الأعمال من نقص الدولار حاليا، وعدم تدبيره من قبل البنوك مما أدى لتوقف عدد من المصانع، والشكوى من نقص مستلزمات الإنتاج، مما يعني عمليا تآكل ثمار الإصلاح الاقتصادي بعد 3 سنوات من انتهاء الاتفاق مع الصندوق.
وها هي بعض الشواهد العملية لذلك، فحتى منتصف عام 2016 كان هناك عجز بين صافي الأصول والخصوم الأجنبية (العُملات) لدى البنك المركزي المصري بلغ 5.1 مليارات دولار، وزاد العجز إلى 6.773 مليارات بالشهر السابق لقرار التعويم، وبعد التعويم ظل العجز يتناقص حتى انتهى في مارس/آذار 2017.
وتحول بعدها إلى فائض ظل يتصاعد حتى بلغ 15.825 مليار دولار منتصف عام 2019، وظل الفائض مستمرا ومتصاعدا بعد ذلك، إلا أنه بعد ظهور فيروس كورونا وتداعياته اتجه للتناقص لكنه ظل موجبا، حتى بلغ 8.5 مليارات في فبراير/شباط من العام الحالي ليتحول بعدها لعجز بلغ 5.1 مليارات في مارس/آذار، ثم استمر العجز بالارتفاع ليبلغ 9.3 مليارات دولار في يوليو/تموز.
وتكرر نفس المسار وإن كان بدرجة أعمق بالبنوك العاملة في مصر والتي يمكن أن نسميها البنوك التجارية، حيث بلغ العجز بين أصولها والتزاماتها من النقد الأجنبي 4.8 مليارات دولار منتصف عام 2016، وزاد العجز إلى 7.1 مليارات الشهر السابق للتعويم، وبعد التعويم ظل العجز يتراجع تدريجيا حتى انتهى في مايو/أيار 2017 محققا فائضا بلغ 876 مليونا، وظل الفائض يتصاعد حتى بلغ 2.1 مليار دولار منتصف عام 2019 موعد نهاية برنامج الصندوق.
واستمر الفائض موجودا حتى تداعيات كورونا، ليعود لحالة العجز في مارس/آذار 2020 لمدة 5 أشهر، ليتحول بعدها لتحقيق فائض لمدة 9 أشهر حتى منتصف 2021، ليعود لحالة العجز منذ يوليو/تموز 2021 وحتى الآن لمدة 13 شهرا، مع تصاعد قيمة العجز من 1.66 مليار دولار بالشهر الأول له، حتى بلغ العجز 10.1 مليارات في يوليو/تموز الماضي.
استثمارات الحافظة تعاود الخروج
ومن الطبيعي أن تقل إمكانية قيام تلك البنوك التجارية بتدبير احتياجات المستوردين من العملات الأجنبية، خاصة وأن البنك المركزي الذي من المفترض أن يكون السند لها، لديه هو الآخر عجز بالعملات الأجنبية، والنتيجة هي عودة السوق السوداء للدولار مثلما كان الحال عام 2016، ولكن بسعر يدور حول 23 جنيها للدولار مقابل 18 جنيها كان يدور حولها عام 2016.
وكذلك صافي استثمارات الأجانب بالحافظة أي بأدوات الدين الحكومي المصرية والأسهم بالبورصة والمسماة بالأموال الساخنة، والتي كانت شهدت عجزا أي خروجا بقيمة 1.3 مليار دولار العام المالي السابق للاتفاق، لكنها حققت فائضا بالعام الأول للاتفاق بلغ 16 مليارا، والعام الثاني 12 مليارا، العام الثالث 4.2 مليارات، لتحقق عجزا العام التالي لانتهاء الاتفاق مع الصندوق بقيمة 7.3 مليارات، وعجزا بالشهور التسعة الأولى من العام المالي الأخير بقيمة 17 مليار دولار.
وبالنسبة لصافي الحساب الجاري بميزان المدفوعات الذي يمثل الفرق بين حصيلة الصادرات السلعية والخدمية، وتحويلات العمالة والمعونة الأجنبية وفوائد الاستثمارات المصرية بالخارج، وبين مدفوعات الواردات السلعية والخدمية والتحويلات الخارجية ومدفوعات فوائد استثمارات الأجانب بمصر، فقد بلغت قيمة العجز بالحساب الجاري العام المالي السابق على الاتفاق 19.8 مليار دولار.
لكن قيمة ذلك العجز ظلت تتناقص السنوات الثلاث للاتفاق، ليعود العجز للتصاعد العام المالي 2020/2021 إلى 18.4 مليار دولار، كما بلغ العجز الشهور التسعة الأولى العام المالي الأخير 13.6 مليارا.
ونفس الأمر بالنسبة لمعدلات التضخم التي كانت مكونة من رقمين قبل الاتفاق مع الصندوق، حتى أصحبت مكونة من رقم واحد العام الأخير من الاتفاق وما بعده، لتعود لرقمين مرة أخرى العام الحالي، وهو ما أثر على طبيعة الفائدة الحقيقية التي يتم خصم نسبة التضخم منها، والتي كانت سالبة قبل الاتفاق ثم تحولت لموجبة العامين الأخيرين للاتفاق وما بعده، لكنها عادت سالبة منذ فبراير/شباط العام الحالي وحتى الآن.
تكلفة الدين تحوز 54% بإنفاق الموازنة
أما عدد شهور الواردات التي تغطيها احتياطيات النقد الأجنبي بالبنك المركزي، فقد بلغت 3.5 أشهر قبل الاتفاق، وتحسنت 8 أشهر العام الأخير للاتفاق لتعود إلى 4.5 أشهر في يوليو/تموز الماضي.
وبالنسبة للمؤشرات المصرفية بلغت نسبة العائد على متوسط الأصول بالبنوك قبل الاتفاق 1.5%، ثم تحسنت إلى 1.8% العام الأخير للاتفاق، لكنها تراجعت إلى 1.2% العام المالي الأخير، وكذلك نسبة العائد على متوسط حقوق الملكية والتي بلغت 24.4% قبل الاتفاق، وظلت 23.4% العام الأخير للاتفاق لتنخفض إلى 16.1% العام المالي الأخير، ونسبة تغطية التخصصات للقروض غير المنتظمة بالبنوك، التي بلغت نسبتها 99% منتصف 2016، لكنها انخفضت إلى 92% منتصف العام الحالي.
وبالموازنة الحكومية ارتفعت نسبة فوائد الدين الحكومي للمصروفات من 30% العام المالي السابق للاتفاق، لتتصاعد سنوات الاتفاق لتبلغ 39.9% العام الأخير منه، كذلك نصيب كل من فوائد الدين وأقساط الديون معا من الانفاق بالموازنة، البالغ 45.4% قبل الاتفاق، وحافظ على الارتفاع المحدود فترة الاتفاق، ليقفز إلى 54% العام المالي الحالي، وأيضا تزايد قيمة العجز الكلي والنقدي بالموازنة حاليا عما كان قبل الاتفاق مع الصندوق.
وهكذا يتضح تآكل العديد من ثمار الإصلاح الاقتصادي، الذي يراه الكثير من الخبراء إصلاحا ماليا ونقديا وليس اقتصاديا، بدليل قيام رئيس الوزراء بالإعلان عن المرحلة الثانية من الإصلاح الاقتصادي في أبريل/نيسان 2021، لمدة 3 سنوات، والتركيز على قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات، لكننا لم نسمع شيئا عن تلك المرحلة.
وهكذا تحتاج مصر لبرنامج إصلاحي جديد لمواجهة مشاكلها الاقتصادية المتعددة، لكنه سيتم على أرضية أكثر صعوبة مما كانت الأحوال عام 2016، حين كان الدين الخارجي منتصف 2016 يبلغ 55.8 مليار دولار، ليصل إلى 157.8 مليارا في مارس/آذار الماضي، وحين كانت تكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد العام المالي السابق للاتفاق 5.1 مليارات، في حين بلغ الرقم 6.3 مليارات دولار للربع الأول من العام الحالي فقط.
ونفس الأمر بالنسبة للدين العام المحلي الذي بلغ 2.6 تريليون جنيه منتصف عام 2016 قبل الاتفاق، حتى بلغ 4.7 تريليونات منتصف عام 2020، وبعدها لم تنشر الجهات الرسمية شيئا عن قيمته طوال 27 شهرا، في مخالفة واضحة لاتفاقها مع الصندوق عام 2016 بالمزيد من الإفصاح والشفافية.
المصدر الجزيرة نت