اعتراف متأخر بتورطها في جرائم الإبادة بغزة.. "مايكروسوفت" في مرمى الاتهام
الاثنين - 13 أكتوبر 2025
إنسان للإعلام- فريق التحرير:
كشفت شركة «مايكروسوفت»، في 25 سبتمبر 2025، عن تعطيل مجموعة من خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي كانت تستخدمها الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية"، وذلك بعد مراجعة داخلية أثبتت وجود أدلة أولية على نظام مراقبة وتجسس واسع النطاق ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
وأبلغت الشركة الوحدة "الإسرائيلية" بإنهاء وصولها إلى خدماتها بعد اكتشاف تخزين كميات هائلة من بيانات المراقبة الفلسطينية على منصة “Azure” السحابية، بحسب ما أوردت صحيفة «الجارديان» البريطانية.
هذا الاعتراف جاء ليفضح تورط الشركة الأمريكية العملاقة في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، رغم محاولاتها السابقة التهوين من حجم مشاركتها في جرائم الإبادة بغزة.
ثلاث محطات كشفت التواطؤ
اعتراف “مايكروسوفت” لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد ثلاث محطات مفصلية أنكرتها الشركة في البداية قبل أن تثبت صحتها:
أولا: الوثائق المسربة (فبراير 2025):
في فبراير 2025، كشفت وثائق مسرّبة ضمن تحقيق مشترك أجرته صحيفة "الجارديان" ومجلتا "+972" و"Local Call"، واستند جزئياً إلى وثائق حصلت عليها منصة Drop Site News، عن تعزيز التعاون بين "مايكروسوفت" وجيش الاحتلال "الإسرائيلي" خلال العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
أظهرت الوثائق تقديم الشركة خدمات حوسبة سحابية واستشارات تقنية وذكاء اصطناعي لدعم العمليات العسكرية "الإسرائيلية"، في عقود بلغت قيمتها عشرة ملايين دولار، تضمنت دعماً فنياً وحوافز إضافية لتعزيز الشراكة مع الجيش، ما أثار انتقادات دولية حادة.
ثانيا: تقرير موندويس (مارس 2025):
في مارس نشر 2025، نشر موقع "موندويس" تقريراً موسعاً فضح فيه التعاون بين "إسرائيل" و"مايكروسوفت" في إنتاج أدوات القمع والسيطرة.
أوضح التقرير أن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "أمازون" و"فيسبوك" و"جوجل" و"مايكروسوفت" سهّلت أنظمة الرقابة الحكومية ومارست العنف التقني ضد الشعوب، إلا أن أخطر جرائمها تمثلت في دعمها للاحتلال بتقنيات تُستخدم في القتل.
أشار إلى أن "مايكروسوفت" استثمرت في شركات "إسرائيلية" خرجت من رحم جيش الدفاع "الإسرائيلي"، ومن أبرز هذه الشركات "AnyVision" التي طورت أنظمة للتعرف على الوجه تُستخدم في مراقبة الفلسطينيين وتحديد أهداف الطائرات المسيرة.
ثالثا: صرخة المهندسة المغربية (أبريل 2025):
في أبريل 2025، فجّرت ابتهال أبو السعد، المبرمجة المغربية وخريجة جامعة هارفارد، فضيحة مدوية عندما هاجمت إدارة "مايكروسوفت" خلال احتفال بالذكرى الخمسين لتأسيسها في واشنطن، متهمة الشركة بالمشاركة في جرائم الإبادة بغزة.
اتهمت ابتهال المدير التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي بالتواطؤ في سفك الدماء، وأكدت في رسالة بريدية لجميع الموظفين أنها لم تعد تحتمل الصمت بعد اكتشاف أن عملها في فريق الذكاء الاصطناعي يُوظف، بشكل أو بآخر، في دعم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. عقب ذلك تم فصلها من عملها، ما أثار موجة تضامن واحتجاجات داخلية في فروع الشركة.
هكذا راقبت "إسرائيل" الفلسطينيين
بحسب صحيفة "الجارديان"، استخدمت الوحدة 8200 منصة Azure لتخزين وتحليل المكالمات اليومية للفلسطينيين على مدى ثلاث سنوات، حتى نشأ داخل الوحدة شعار يقول: "مليون مكالمة في الساعة".
أوضحت الصحيفة أن النظام كان يتيح تحديد هوية وموقع المتحدثين في غزة والضفة الغربية باستخدام تقنيات تحليل صوت وذكاء اصطناعي متقدمة، مما مكّن الجيش "الإسرائيلي" من استهداف مدنيين استناداً إلى خوارزميات مشبوهة.
اعترف رئيس "مايكروسوفت" براد سميث بأن المراجعة الداخلية بدأت بعد نشر تحقيق مشترك لـ "الجارديان" و"+972" و"Local Call" الذي كشف عن تخزين كميات ضخمة من المكالمات الفلسطينية في خوادم الشركة بهولندا.
وأكد أن الشركة توصلت إلى أدلة تدعم ما ورد في التحقيق، بما يشمل استخدام وزارة الأمن "الإسرائيلية" لسعة تخزين Azure في هولندا واستخدامها لخدمات الذكاء الاصطناعي.
وتحت ضغط الرأي العام وموظفيها، أبلغت "مايكروسوفت" وزارة الأمن "الإسرائيلية" بوقف وتعطيل اشتراكات محددة، في خطوة وصفتها القناة الإسرائيلية 12 بأنها حدث دراماتيكي لأن "إسرائيل" لا تمتلك بنية سحابية محلية وتعتمد على شركات التكنولوجيا.
التكنولوجيا تتحول إلى أداة قتل
نظراً لكون كثير من شرائح الاتصال في غزة والضفة تابعة لشركات "إسرائيلية"، كانت الوحدة 8200 تواجه صعوبة في تخزين نحو مئتي مليون ساعة تسجيل يومياً، وهو ما يتطلب مراكز بيانات هائلة بتكلفة مليارات الدولارات خلال سنوات، فاختارت الاعتماد على خدمات "أزور" لتخزين لا نهائي عبر الحوسبة السحابية.
تحولت هذه الخدمة إلى أداة في عمليات القتل الجماعي، إذ ساعدت الخوارزميات على تحديد أهداف بناءً على كلمات مفتاحية في المكالمات، حتى وإن وردت على سبيل المزاح، ما أدى إلى قصف عشوائي لمدنيين وتصنيفهم "إرهابيين" بالخطأ.
وأكدت تقارير أن العديد من عمليات القصف في غزة نفّذت بناءً على تصنيفات آلية خاطئة أدت إلى سقوط عشرات النساء والأطفال.
مقاطعة شركات التكنولوجيا لـ "إسرائيل"
بعد خطوة "مايكروسوفت"، تسود مخاوف "إسرائيلية" من اتساع مقاطعة شركات التقنية العالمية المتهمة بالتعاون مع جيش الاحتلال، مثل "جوجل" و"أمازون" و"دِل". أشارت تقارير إلى أن "أمازون" و"جوجل" تقدمان خدمات سحابية للحكومة "الإسرائيلية" في إطار مشروع يُسمى "نيمبوس"، لكنهما تواجهان معارضة داخلية من موظفيهما المطالبين بقطع التعاون مع "إسرائيل".
وقالت صحف "إسرائيلية" إن شركات التكنولوجيا "الإسرائيلية" تعاني خسائر بفعل المقاطعة منذ العدوان على غزة، مما دفع إلى صفقات بيع ضخمة لشركات هايتك لمحاولة إنقاذ الاقتصاد المتضرر. من بين الصفقات التي ذكرت تقاريرها استحواذ شركة "بالو ألتو نيتووركس" الأمريكية على "سايبر آرك" الإسرائيلية مقابل نحو 25 مليار دولار، واستحواذ "جوجل" على شركة" "WIZ" الإسرائيلية" مقابل 32 مليار دولار في مارس الماضي.
اعتراف "مايكروسوفت" لم يكن "صحوة ضمير"، بقدر ما هو انكشاف لحقيقة التواطؤ التكنولوجي مع آلة القتل "الإسرائيلية"، حيث أثبتت الحرب على غزة أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية بل تحول إلى سلاح قاتل يدار من غرف التحكم في وادي السيليكون بينما دفع المدنيون في غزة الثمن بدمائهم.