أشرف الشربيني يكتب: وعد بلفور بين تواطؤ النخب ومقاومة الشعوب

الجمعة - 4 نوفمبر 2022

- أشرف الشربيني

 

عبر التاريخ لا تظهر إلا برد الوقائع إلى سياقها وإسناد نتائجها إلى مقدماتها.

 فلم يكن تصريح بلفور وحده هو من أقام للكيان الصهيوني دولة، بل كان دعماً استعمارياً وتواطئاً عربياً، كلاهما تعاونا فوق جسد الدولة العثمانية المسجى بآثار الحرب العالمية الأولى، فأنتجا ذلك المسخ، الذي تمدد مغتصباً الأرض والوطن.

وسيبقى ذلك الكيان يتمدد داخل الوطن العربي، ما بقى ذلك التعاون قائماً بين ( الاستعمار ) وبين (النخب العربية) المصنعة.

فإن أمكن فك ذلك الارتباط، بمقاومة شعبية مستندة إلى ثوابتها الشرعية والوطنية، لأمكن تفكيك (دولة) الكيان الغاصب، وتحرير الوطن وعودة اللاجئ الطريد إلى أرضه.

مشروع استعماري

لقد استهدفت الدول الاستعمارية الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، بتفكيكها وحرف مسيرتها. وبهزيمة الدولة العثمانية فى تلك الحرب.

 قام الاستعمار بإعادة تقسيم المنطقة العربية، من خلال اتفاقات "سايكس بيكو" عام 1916، ثم قام الاستعمار بالتمهيد لزراعة (إسرائيل)، فأصدرت بريطانيا تصريح بلفور فى نوفمبر 1917، وبعد ذلك بثلاثة أسابيع استولت بريطانيا على مدينة القدس الشريف، لتبدأ بعد ذلك مصادرة الأراضي الفلسطينية والهجرات اليهودية غير الشرعية، لتأتي (دولة) إسرائيل كنتيجة حتمية لتلك المقدمات جميعاً، تلك الدولة التي صارت أكبر قاعدة عسكرية استعمارية فى قلب العالم العربي.

نخبة متواطئة

ولم يكن لتلك المخططات أن تمر، إلا بنخب عربية المنشأ غربية الهوى، حيث قامت بصناعة الرأي العام ووضع السياسات وحكم البلاد.

 فبعد عامين من سيطرة بريطانيا على مدينة القدس وتحديداً فى 1919 وعلى هامش مؤتمر فيرساي، يتفق الأمير فيصل ممثل المملكة العربية الحجازية، مع حاييم وايزمان ممثل الحركة الصهيونية على وثيقة ساعدت على التمدد اليهودي فى فلسطين! وعلى صعيد آخر، كانت نخب مثقفة تساعد على تمرير مخططات الاستعمار، دون إدراك خطورتها على فلسطين وعلى الأمة العربية والإسلامية! فحين تمّ افتتاح الجامعة العبرية فى القدس، أرسل الدكتور طه حسين برقيّة تهنئة بمناسبة ذلك! ويذهب الدكتور أحمد لطفي السيّد للمشاركة في حفل الافتتاح، والمفارقة أنّه بعد أن عاد إلى القاهرة، أصدر تصريحاً يخطّئ فيها الحكومة المصرية على المشاركة في حفل الافتتاح ويقول فيه: "كنت أتصوّر أنّ المناسبة مقتصرة على الجانب العلميّ، وإذ بها غارقةٌ في السياسة!"

مقاومة.. هى الأمل

وبين هذا التآمر الاستعماري من جهة والغفلة العربية من جهة أخرى؛ كان على الضفة الأخرى من الأحداث، مقاومة شعبية تزداد اتساعاً لهذا التمدد الصهيوني، فيشكل الشعب الفلسطيني الجمعية الفدائية فى 1918، ويقوم بانتفاضة القدس 1920، وثورة يافا 1921، وثورة البراق 1929، وتظاهرات 1933، ثم ثورة فلسطين الكبرى عام 1936، والتي شارك فيها ثلاثة من العلماء هم الشيخ الثعالبي من تونس، الشيخ عز الدين القسّام من سوريا، والشيخ أحمد حنفي من مصر، حيث لم يضيّع هؤلاء وقتهم في التنظير، وإنما ذهبوا مباشرةً إلى مواجهة ذلك المشروع الصهيوني الغاصب، حيث استشهدوا جميعاً في أحراش يعبد، وهكذا استمرت راية المقاومة فى الانتقال من يد إلى يد ومن جيل إلى جيل، حتى تلقفها شاب مصري نابه هو حسن البنا، الذي بدأ بمراسلة الحاج أمين الحسيني عام 1927، ونجح بعد عشرين عام فى إرسال كتائب المتطوعين من جماعة الإخوان المسلمين إلى فلسطين فى عام 1948، وبعد أن دفع حسن البنا حياته شهيداً ثمناً لقضية فلسطين، أخذ الراية بعده الشيخ القعيد أحمد ياسين والذي أسس مع إخوانه حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ولازالت تلك المقاومة مستمرة حتى الآن بين مد وجزر، لتبقى هي العنوان الوحيد لعودة الأرض وتحرير الوطن، ولتكون هى عبرة أكثر من مائة عام بعد صدور تصريح بلفور الأثيم.