ممدوح الولى يكتب: الصناعة المصرية تئن بعد وقف مبادرة تمويل الصناعة

الخميس - 8 ديسمبر 2022

- ممدوح الولي
( كاتب متخصص فى الشأن الإقتصادي المصري )

خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادي بالثلث الأخير من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اشتكى ممثلو شركات الصناعة المصرية من القرارات الحكومية الفجائية التي تتسبب في اضطراب مناخ الأعمال ووعدهم رئيس الوزراء بتحقيق مطلبهم.

وبعد أقل من شهر واحد من ذلك الوعد أصدر رئيس الوزراء نفسه قرارا بإيقاف العمل بمبادرة تمويل الصناعة والزراعة والمقاولات التي بدأ العمل بها قبل 3 سنوات وكانت تمنح تلك القطاعات الإنتاجية الثلاثة الصناعة والزراعة والمقاولات والتي أضيف لها قطاعات أخرى خلال مدة سريان المبادرة مثل التصنيع الزراعي والإنتاج السمكي والداجني والحيواني ومحطات تعبئة وتصدير السلع الزراعية والطاقة المتجددة وغيرها قروضا بفائدة 8 %.

هذه القروض تقل عن الفائدة السائدة بنسبة 3% في البداية ثم زاد الفارق إلى 6% بعد ذلك وإلى 8% حاليا، مما أصاب القطاع الصناعي بالارتباك خاصة مع ما يصاحب توقيت صدور قرار الوقف من ظروف محلية وعالمية غير مواتية تجعل منافسة المنتجات المستوردة بالسوق المحلية أمرا متعذرا وكذلك بالأسواق الدولية مع منافسة منتجات دول أخرى حصلت على تمويل بنسبة فائدة أقل.

البنك المركزي الذي رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي بنسبة 4% مؤخرا ما زال مستمرا في إصدار النقود وبكميات كبيرة مما يجهض سعيه لامتصاص السيولة وخفض التضخم

سارعت وسائل الإعلام بعرض إيجابيات القرار باعتباره يسهم في علاج التشوه السعري للفائدة مع الإقراض بأكثر من قيمة الفائدة لقطاعات النشاط المختلفة وهو ما يحدّ في رأيهم من قدرة السياسة النقدية على السيطرة النقدية من خلال أداة سعر الفائدة التي تعد إحدى الأدوات الأساسية للبنك المركزي لخفض التضخم المرتفع الذي تشهده البلاد حاليا والذي دفعه مؤخرا إلى رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي لودائع البنوك لديه بالعملة المحلية من 14 إلى 18% لسحب السيولة.

خسائر المركزي أكبر من تكلفة المبادرات

ذكروا كذلك أن تلك المبادرة وغيرها من المبادرات التي أتاحها البنك المركزي خلال السنوات الأخيرة، قد تسببت في إلحاق خسائر بالقوائم المالية للبنك المركزي مع كبر حجم القروض لمبادرة الصناعة والتي بلغت 345 مليار جنيه وكذلك تعارض المبادرة مع مطلب صندوق النقد الدولي بتقليل معدل التوسع في من الائتمان لكبح الطلب المحلي وامتصاص فائض السيولة.

بينما نرى أن البنك المركزي الذي رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي بنسبة 4% مؤخرا ما زال مستمرا في إصدار النقود وبكميات كبيرة مما يجهض سعيه لامتصاص السيولة وخفض التضخم، كما أن استمرار إقراض الأنشطة الاقتصادية يمثل أهمية مجتمعية لسد احتياجات السوق المحلية من السلع وبما يقلل من الاستيراد ويقلل من فجوة عجز الميزان التجاري ويخفف الضغط على سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي.

مبادرة تمويل الصناعة عام 2016 لم تكن السبب الرئيسي في الخسائر بل وكذلك مبادرة تمويل الصناعة التي بدأت آخر عام 2019، والتي استمرت 4 سنوات أيضا قبل إلغائها الشهر الماضي

كما أنه دون إنتاج لن يكون هناك تصدير وهو المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه البلاد لجلب العملات الأجنبية ومحاولة سد الفجوة الدولارية الحالية والموجودة منذ منتصف العام الماضي والتي تزايدت قيمتها خلال الشهور التالية ولا ينتظر علاجها قبل منتصف العام المقبل حسب السيناريو المتفائل.

أما عن تسبب مبادرة الصناعة في إلحاق خسائر بميزانية البنك المركزي المصري فلقد بدأت خسائر البنك المركزي منذ العام المالي 2017/ 2018 والمنتهي في آخر يونيو/حزيران 2018، واستمرت الخسائر خلال السنوات المالية التالية حتى الآن، بينما بدأ العمل بمبادرة تمويل الصناعة في 12 ديسمبر/كانون أول 2019 وهي المبادرة التي بدأت بفائدة 10% قبل خفضها إلى 8% في مارس/آذار 2020.

ربما يقول البعض إنه كانت هناك مبادرة أخرى لتمويل الصناعة بفائدة 7% بدأت في فبراير/شباط 2016، لكن تلك المبادرة كانت قيمة تمويل فارق الفائدة بها، والمخصصة من قبل البنك المركزي 5 مليارات جنيه فقط، وقد تم نفاد تلك القيمة في يناير/كانون الثاني 2020، أي أن تلك القيمة تم استهلاكها على مدى زمني 4 سنوات، أي بمتوسط 1.25 مليار جنيه سنويا، بينما بلغت خسائر المركزي بالعام المالي الأول 31.8 مليار جنيه وبالعام المالي الثاني 2018/ 2019 نحو 30.7 مليار جنيه.

تكلفة مبادرة الصناعة أقل من 100 مليار جنيه

مما يعني أن مبادرة تمويل الصناعة عام 2016 لم تكن السبب الرئيسي بالخسائر بل وكذلك مبادرة تمويل الصناعة التي بدأت آخر عام 2019، والتي استمرت 4 سنوات أيضا قبل إلغائها الشهر الماضي، حيث خصص المركزي  لها 100 مليار جنيه ولم يتم استنفادها حتى وقت إلغاء المبادرة أي بمتوسط سنوي يقل عن 25 مليار جنيه، بينما بلغت خسائر البنك المركزي خلال السنوات المالية الأربع من 2018/ 2019، وحتى العام المالي الأخير 2021/ 2022 والمنتهي آخر يونيو/حزيران الماضي 225 مليار جنيه، أي بمتوسط سنوي للخسارة 56 مليار جنيه، مع استمرار الخسائر حتى أغسطس/آب الماضي وهي آخر بيانات معلنة.

أما القول إن تكلفة قروض مبادرة الصناعة بلغت 345 مليار جنيه كما ذكر نائب محافظ البنك المركزي، فلعله يقصد قيمة القروض التي استفادت من المبادرات التي قام بها البنك المركزي مع الصناعة وغيرها من الأنشطة، حيث بلغت قيمة الزيادة في قروض القطاع الخاص الصناعي، ما بين نهاية عام 2019 وحتى آخر بيانات منشورة تخص شهر أغسطس/آب الماضي، 222 مليار جنيه مرتفعة من 244 مليار جنيه بنهاية 2019 إلى 466 مليار جنيه حسب آخر بيانات منشورة.

والأمر نفسه لقروض القطاع الخاص الزراعي التي زادت بنحو 27 مليار جنيه، مرتفعة من 23 مليار جنيه إلى 50 مليار جنيه بفترة المقارنة ذاتها، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الزيادات تخص الشركات الصناعية والزراعية المستفيدة من المبادرة وغير المستفيدة منها، حيث يُشترط للاستفادة أن يزيد حجم أعمال الشركة السنوية أو إيراداتها على الـ50 مليون جنيه، أما قروض قطاع المقاولات فلا يمكن حصرها بسبب عدم تضمن البيانات المنشورة من قبل البنك المركزي لها، والأمر نفسه لقروض الطاقة الجديدة والمتجددة.

وهكذا فإن رقم الـ345 مليار جنيه لا يخص تكلفة قروض مبادرة الصناعة، لسبب رئيسي هو أن البنك المركزي قد أعلن منذ بداية إطلاق المبادرة أن قيمتها 100 مليار جنيه، وها هي يتم وقفها قبل نفاد كامل قيمتها.

توقيت غير مناسب متعدد المشاكل

يتضح مدى الأثر السلبي الذي تسبب فيه إلغاء المبادرة من خلال تنوع القطاعات المستفيدة منها، والتي تشير إليها القرارات المتتابعة لمجلس إدارة البنك المركزي خلال فترة سريان المبادرة، والتي بدأت بشركات القطاع الصناعي لتمويل رأس المال العامل -أي دورة النشاط الإنتاجي- ولتمويل شراء الآلات والمعدات أو خطوط الإنتاج، ثم أضيف إليها بنفس الشهر العملاء غير المنتظمين خلال قيامهم بسداد ما عليهم.

في مارس/آذار 2020 أضيف للمستفيدين قطاع الزراعة والثروة السمكية والثروة الداجنة والثروة الحيوانية، وشركات التصنيع الزراعي ومحطات تعبئة وتصدير السلع الزراعية والثلاجات وغيرها، وفي مايو/أيار من العام نفسه أضيفت شركات المقاولات، وكذلك شمول المبادرة سداد رواتب وأجور العاملين وسداد مصروفات الكهرباء والغاز الطبيعي والسولار.

في يونيو/حزيران 2020، أضيفت الشركات حديثة التأسيس التي يتم تصنيفها، كشركات متوسطة وفقا لرأس المال المدفوع لحين توافر القوائم المالية الخاصة بها، وكذلك الشركات والمنشآت المصنفة كشركات صغيرة تابعة لكيانات ومؤسسات كبرى أو لعملاء ذوي ملاءة مالية مرتفعة، وفي مارس/آذار 2021 أضيف تمويل مستحقات الغاز الطبيعي بشركات السيراميك والبورسلين.

لهذا كانت تلك الشركات تأمل في تدرج إلغاء المبادرة خلال 3 سنوات، خاصة وأن الظروف الحالية التي تمر بها أصعب مما كانت عليه وقت طرح المبادرة أواخر عام 2019، حين كان سعر الصرف وقتها مستقرا، في حين يبدو غير ذلك حاليا، كما بلغ مؤشر مديري المشتريات بشهر صدور المبادرة 48.9 درجة، وهو ما يشير لحالة من الركود بنقصان الدرجة عن رقم الـ50.

بالشهر السابق للمبادرة بلغ مؤشر مديري المشتريات 47.9 درجة، وهو المؤشر الذي ظل يعبر عن حالة ركود خلال 9 أشهر من عام 2020، وطوال عامي 2021 و2022 وحتى آخر بيانات تخص شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي حين بلغ 47.7 درجة، أي أن معدل الركود بالأسواق حاليا أعلى مما كان أواخر 2019.

الدعم مسموح للأوبرا وممنوع للصناعة

يضيف التعامل بالفائدة السائدة بالسوق والمرتفعة حاليا، إلى المصاعب التي تواجهها الصناعة من ارتفاع تكلفة الأراضي الصناعية، وتعدد جهات الولاية على المشروعات وما يتبعها من تعقيد في استخراج التراخيص والموافقات، وزيادة أسعار الطاقة وتعدد أنواع الضرائب والرسوم، والمنافسة غير العادلة التي يعملون خلالها بجانب المزايا النسبية التي تتمتع بها الجهات التابعة للجيش خلال ممارستها للأنشطة الاقتصادية.

كما دفع إبقاء الحكومة لبعض المبادرات الخاصة بالإقراض مع نقل تبعيتها من البنك المركزي، إلى جهات أخرى مثل وزارة المالية ووزارة الإسكان وصندوق السياحة، وهي 5 مبادرات تخص التمويل العقاري والسياحة وتحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي وتشجيع طرق الري الحديثة، إلى تساؤل البعض هل التمويل العقاري أو السياحة أهم لدى الحكومة من الصناعة بما بها من تشغيل وإنتاج للسلع وتصدير!

كما يثير تساؤل آخر حول مدى خطورة الأوضاع الحالية التي تدفع الحكومة لزيادة التضييق على الصناعة وما يتبعها من صادرات، استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي بإلغاء مبادرات البنك المركزي الخاصة بالفوائد، حتى يسارع بالموافقة على القرض الجديد، رغم بلوغ القسط الأول لقرض الصندوق 750 مليون دولار كما صرح وزير المالية مؤخرا.

وربما يقول البعض ولكن اتباع سياسة التحرير الاقتصادي يتطلب عمل كل القطاعات الاقتصادية بسعر فائدة موحد، وهو أمر صحيح لكنه لا يتحقق مع استمرار الفائدة المدعمة لـ5 أنشطة سبق ذكرها.

الأمر الأهم أنه إذا كانت الحكومة وصندوق النقد الدولي يتجهان لمنع الدعم عن التمويل الصناعي والزراعي، فلماذا يسمحان باستمرار الدعم حتى الآن للعديد من الأنشطة غير الاقتصادية؟! ومنها الأندية الاجتماعية للعاملين بالجهات التابعة لوزارة المالية، ونوادي ضباط الشرطة، حتى دار الأوبرا المصرية ما زالت تحصل على نصيب من الدعم بالموازنة الحكومية بالعام المالي الحالي!

المصدر الجزيرة نت