الثورة المضادة وتشويه ثورة يناير .. السينما الوثائقية نموذجا

الخميس - 22 فبراير 2024

  • نفي الوطنية عن الإخوان والتخويف منهم.. رسالة أساسية للإنتاج الوثائقي بين 2011 و 2024
  • سلسلتان من الأفلام وثقتا للثورة والانقلاب.. وكلها كانت بعيدة عن إدانة العسكر بشكل مباشر

 

دراسة من إعداد: إمام الليثي:

مقدمة:

"لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (التوبة:47)

"وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ". (التوبة 107)

آيتان تؤرخان لأول ظهور للثورة المضادة، إن لم يكن في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، فربما بداية ظهورها بمعناها ومرتكزاتها وفلسفتها في العالم كله، فبمجرد أن خرج النبي (ص) إلى المدينة، بعد اضطهاد الدعوة الإسلامية داخل مكة ومحاولات القضاء عليها، جاءت بشائر انتصار الإسلام بظهور مجتمع المدينة في بداياته، وهنا نشأت النواة الأولى لما يمكن أن نسميه بـ"لثورة المضادة"، بقيادة رأس المنافقين، عبد الله بن أبي بن سلول.

ارتكزت حركة "بن سلول" في المدينة، على أسس اجتماعية وسياسية ونفسية، كلما توفرت في أي بيئة كانت بمثابة بذرة للثورة المضادة، لكن تناول القرآن لسلوك المنافقين وتعرية أعمالهم ونفسياتهم بالوصف الدقيق، وضعنا أمام نموذج "قدوة" للثورات المضادة فيما بعد.

تسلل بن سلول وأتباعه داخل الصف المؤمن، وأعلنوا ولاءهم للدعوة الجديدة، وحملوا شعارات الإسلام، وكانوا في الصفوف الأولى للصلاة، لكنهم في المقابل نظموا حملات دعائية لزعزعة الصف المسلم وتمزيق وحدته، وألّبوا الأقلية اليهودية في المدينة وحرضوها على المواجهة مع المجتمع المسلم الناشيء، وروجوا للأكاذيب حول المشروع الإسلامي (وهو ثورة بمفهوم العصر) والتشكيك في قيادته.

لم يتوقف أمر الثورة المضادة في المدينة عند هذه الحدود، بل استخدم أقطابها وسائل المشروع الثوري (الإسلام) في محاولة هدمه، وبنوا مسجدا أرادوا من النبي أن يصلي فيه (عرف بمسجد الضرار وفق تعريف القرآن)، ولكنه صلى الله عليه وسلم أُخبر بالوحي أن المسجد يستخدم لتجميع المنافقين؛ في محاولة لاجهاض الدعوة الإسلامية الناشئة (الحركة الثورية)، فأمر (ص) بهدمه.

وكما أشرنا من قبل، فإن الثورات المضادة تنشأ مع انطلاقة كل ثورة وتدافعها، وتستخدم كل الوسائل للإجهاز عليها.

في مصر، تحركت الثورة المضادة على مرحلتين: المرحلة الأولى تخلصت ظاهريا من رأس النظام (حسني مبارك) وأجبرته على التنحي، مع الإبقاء على كل أدوات النظام ومؤسساته في حالة جاهزية وكمون، لتصل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الإجهاز على الثورة والقضاء عليها بعد ثلاثة أعوام من إسقاط رأس النظام.

تساؤلات الدراسة:

وفي دراستنا الخاصة بالدراما التليفزيونية الرمضانية، أشرنا إلى توظيفها في الثورة المضادة لتشويه الثورة والثوار، وإثارة الشكوك حول أهداف الثوار وانتمائهم الوطني، فضلا عن وصم الحراك الثوري بالفوضى، وخلق ارتباط شرطي لصورة ذهنية بين مقولة كونداليزا رايس عن "الفوضى الخلاقة"، وبين ماحدث في يناير وما بعدها.

وسنحاول في هذه الدراسة أن نتناول دور الثورة المضادة في توجيه الانتاج الوثائقي ، من خلال الوصف والتحليل لمجموعة من الأفلام الوثائقية، التي أُنتجت بداية من العام 2011 بعد ثورة يناير وحتى العام 2023؛ لنجيب على الأسئلة التالية:

  1. كيف قدم الإنتاج الوثائقي الثورة والثوار قبل انقلاب 3 يوليو وبعده؟
  2. ما هي صورة المؤسسات الأمنية في السينما الوثائقية قبل انقلاب 3 يوليو وبعده؟
  3. كيف قدمت السينما الوثائقية أبناء الحركة الإسلامية عموما والإخوان تحديدا بعد الثورة؟
  4. إلى أي مدى عبرت الرسائل الإعلامية لهذا الانتاج  الوثائقي عن توجهات الثورة المضادة؟

أولا: إشكالية التعريف: وثائقي أم تسجيلي؟

بغض النظر عن معضلات تعريف الفيلم الوثائقي، نتطرّق سريعاً إلى مدى جديّة التفرقة بين لفظة «الوثائقي» و«التسجيلي»، فالكلمة اللاتينية لكل من وثائقي أو تسجيلي واحدة Documentary  ومصدرها كلمة Document أي «الوثيقة».

لم تثر الكلمة أي لَبس أو تشوّش في مدلولها في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، إلا أن هذا التمايُز جاء عند ترجمة المُصطلح إلى اللغة العربية، نظراً لاختلاف مفهوم المترجمين عن اللغة الأصلية، سواء الإنجليزية أو الفرنسية، كذلك كترجمة حَرفيّة، أو مُستخلصَة من سياق عام لمفهوم هذا الشكل الفيلمي.

 فالتفرقة جاءت نتيجة ترجمة المصطلح إلى العربية، والجهة التي اعتمدته، والمدرسة التي نقلت عنها، ففي مصر كانت كلمة «التسجيلي» هي التي استقرت، لأن أغلب الترجمات الأولى كانت عن الإنجليزية، بينما الترجمات السورية واللبنانية قد استندت أكثر إلى الترجمة عن الفرنسية، فجاءت كلمة «الوثائقي»، فلا يعدو الأمر سوى اختلاف في صياغة المفردة المُترجَمة ليس أكثر.(1)

ما هو الفيلم الوثائقي؟

 إحدى الإجابات السهلة والتقليدية لهذا السؤال هي: ليس فيلمًا سينمائيًّا، أو على الأقل ليس فيلمًا سينمائيًّا بالمعنى الذي ينطبق على فيلم «حرب النجوم»، إلا عندما يكون فيلمًا ذا صبغة درامية، مثل فيلم «فهرنهايت ٩ / ١١» (٢٠٠٤)، الذي حطم جميع الأرقام القياسية للأفلام الوثائقية. وإحدى الإجابات الأخرى السهلة والشائعة هي: فيلم يخلو من الهزل، فيلم جاد، يحاول أن يعلمك شيئًا ما، ما لم يكن من نوعية الأفلام التي على شاكلة فيلم ستاسي بيرالتا «العمالقة الراكبون» (٢٠٠٤)، الذي يأخذك في رحلة مثيرة عبر تاريخ التزلج على الماء.

فالعديد من الأفلام الوثائقية أعدت بدهاء بهدف واضح هو الإمتاع، والحق أن معظم صناع الأفلام الوثائقية يعتبرون أنفسهم قاصِّين، لا صحفيين.(2)

وربما تكون إحدى الإجابات البسيطة: فيلم عن الحياة الواقعية، وتلك هي المشكلة تحديدًا: فالأفلام الوثائقية تدور «حول» الحياة الواقعية، لكنها ليست حياة واقعية، بل إنها ليست حتى نوافذ على الحياة الواقعية، إنها لوحات للحياة الواقعية تستخدم الواقع كمادة خام لها، ويعدها فنانون وتقنيون يتخذون قرارات لا حصر لها بشأن اختيار القصة، ولمن ستروى، والهدف منها.(3)

تاريخ الفيلم التسجيلي/الوثائقي في مصر

عرفت مصر السينما التسجيلية (الوثائقية) منذ أوائل القرن العشرين، نتيجة بعض المحاولات الفردية، التي حاولت تسجيل وقائع الحياة اليومية، كما اعتمدت السينما التسجيلية في مصر في بدايتها على الأجانب.

ففي العشرينيات من القرن الماضي ظهرت الأفلام القصيرة والتسجيلية، وبالتالي كانت مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي اهتمت بالفن السينمائي بصفة عامة وبالأفلام التسجيلية على وجه الخصوص، وذلك نتيجة اهتمام (طلعت حرب باشا) بقطاع السينما بصفة عامة، حيث كانت معظم هذه الأفلام تخدم الدعاية لمشروعات طلعت حرب الاقتصادية. (4)

وإذا كان نشاط السينما التسجيلية قي مصر بدأ بالأجانب، إلا أن المصريين اقتحموا المجال على يد المخرج محمد بيومي، الذي بادر بإعداد جريدة سينمائية باسم (آمون)، وكان أول عدد منها يتضمن مشاهد لعودة سعد زغلول من المنفى عام 1923م. (5)

وقد أدرك القائمون على انقلاب يوليو 1952م، مدى أهمية السينما التسجيلية في الدعاية لمشروعهم وتوضيح الخط السياسي ولاقتصادي والاجتماعي لحركتهم، ولتغيير أحوال البلاد فانشأوا جهازا لمراقبة الأفلام التسجيلية، ووحدة للإنتاج السينمائي، إلا أنهم فشلوا في استثماره بطريقة جيدة بسبب البيروقراطية وتنازع الاختصاصات وتعدد جهات الإشراف. (6)

ثانيا: سينما يناير وما بعدها

الراصد لحركة الإنتاج الوثائقي عن ثورة يناير 2011، بعد تنحي مبارك وتسلم المجلس العسكري لزمام المرحلة الانتقالية، سيجد مسارين أحدهما عكس الآخر، من خلال فئتين مختلفتين من صناع السينما الوثائقية، وهما:

أولا: مسار احتفائي راصد للأحداث حتى بداية انقلاب الثالث من يوليو 2014م، ويتزعم هذا المسار الشركات المنتجة لصالح شبكة الجزيرة.

ثانيا: مسار آخر راصد للثورة ومنحاز لفكرة تشويه الثوار، وتحديدا كتلة الحركة الإسلامية، وفي القلب منها الإخوان المسلمون.

ولكل من هذين المسارين خصائص مختلفة، من حيث رؤية الحدث والعوامل المؤثرة في العملية الإنتاجية، ومدى قرب أو بعد القائمين على الصناعة في كل مسار من الدولة العميقة، وهو ما ظهر جليا في اختلاف الرسائل التي خرجت من كل مسار، وهو ما سنتناوله بالتحليل والوصف في هذه الورقة .

1- مسار السينما الوثائقية قبل 2014:

في الأول من يناير عام 2007م، أُنشئت قناة "الجزيرة الوثائقية"؛ لتجعل من الفيلم الوثائقي محط اهتمام منطقة الشرق الأوسط وتوسع من جماهيريته، بعدما كان مجرد ملء فراغ زمني في القنوات التلفزيونية لمجرد تسديد ساعات البث وشغلها.

وبسبب هذه الانطلاقة، ظهرت العديد من شركات الإنتاج في مصر والدول العربية تعمل بصناعة الافلام الوثائقية، ومثلت هذه الشركات في مصر مسارا ابتعد بشكل كبير عن المصالح المباشرة مع دولة مبارك.

وبمجيء ثورة يناير وتنحي مبارك، انطلقت هذه الشركات لتعبر عن الثورة المصرية خصوصا أن معظم القائمين عليها ممن عارضوا النظام السابق، سواء معارضة مباشرة وانخراطا في الأحزاب والتيارات المدنية، أو بالانتماء للحركة الإسلامية، أو حتى بالرفض العام لمناخ دولة مبارك دون توجه مباشر.

كان معظم هؤلاء، سواء مخرجين أو منتجين أو باحثين، موجودين في الميدان بكاميراتهم ورؤيتهم التي حولوها إلى أفلام تعبر عن الثور،ة وتنطلق إلى شاشة "الجزيرة"، لتبدأ مرحلة رواية الثورة بدعم من قناة الجزيرة، وبإيمان من القائمين على الإنتاج بضرورة توثيق ما حدث.

العيب الوحيد في منتجات تلك الفترة تمثل في التكرار والتشابه الشديد بين السلاسل التي قُدّمت عن الثورة، فكلها أفلام دارت عن الأسباب المؤدية للثورة، واللحظات الأخيرة قبل سقوط مبارك، وتعظيم دور الشباب في الثورة، وترميز أشخاص بعينهم من الميدان.

ومن أمثلة الأفلام التي تناولت ثورة يناير، من إنتاج "الجزيرة الوثائقية"، في المرحلة التي دعمت فيها الثورة، ما يلي:

"الطريق الى التحرير".. و "مبارك وسنينه":

سلسلتان من الأفلام الوثائقية، الأولى بعنوان (الطريق إلى التحرير) مكونة من ثلاثة أجزاء، كل جزء منها يمثل عشرية من حكم مبارك، فالجزء الأول تناول مرحلة صعود مبارك إلى الحكم بعد مقتل السادات، وكيفية استقبال الشارع للأمر، بينما يبدأ الجزء الثاني وهوبعنوان (الجمود) بمرحلة حرب تحرير الكويت وما تلاها من جمود سياسي وقبضة أمنية حجّمت أي معارضه حقيقية، وتناول الجزء الثالث وهو بعنوان (الوريث) بداية العشرية الثالثة لحكمه وحتى قيام الثورة.

لم تختلف السلسلة الثانية (مبارك وسنيه)عن الثلاثية الأولى، ولكنها جاءت في جزأين، تحدث الأول عن السنوات العشرين الأولى من حكم مبارك، في حين ركز الثاني على التوريث والسنوات الأخيرة من حكم مبارك وأيام ثورة يناير بصورة أكبر، وتميز بوجود مساحة من التحليل النفسي لشخصية مبارك في كل مرحلة من المراحل.

الخلاصة: تميزت تلك الفترة بتوثيق كل الجرائم التي ارتكبت بحق الثوار من قبل داخلية مبارك، سواء قبل الثورة، أو أثناءها وتميزت بكثافة الإنتاج.

منتجو هذه الموجة كانوا من المؤمنين بالثورة، لذلك كانت روايتهم أكثر انحيازا لتمجيد الثورة والثوار.

وقد امتازت هذه الموجة من الأفلام بالسخرية من الروايات الرسمية لإعلام النظام، ولم تظهر فيها الانشقاقات التي طالت الصف الثوري. وكل الرسائل التي تم تصديرها للجماهير في تلك الفترة عن الثورة كانت إيجابية وداعمة لاستمررها.

2- مسار السينما الوثائقية بعد 2014:

بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، اختلف الأمر بالنسبة  للإنتاج الوثائقي المصري، فبعض الأفلام اتجهت إلى فضح الممارسات القمعية والمجازر التي ارتكبها الجيش والشرطة في حق المعتصمين بميداني رابعة والنهضة، وقدمت توثيقا جيدا لما حدث. وكان أبرز هذه الأفلام (عمارة المنوفية) و(إشارة صفراء) و(بعد الخامسة) وإن اقتصرت هذه الأفلام على مجرد توثيق المجازر ورواية ما حدث.

وظهرت موجة أخرى من الأفلام الوثائقية كان محورها الأساسي أن جماعة الإخوان المسلمين فشلت في إدارة الدولة، رغم فوزها في ثلاثة استحقاقات انتخابية، وأنها تسببت في كارثة الانقلاب بنهاية الأمر. وحملت هذه الأفلام مجموعة من الرسائل أبرزها:

  1. الإخوان فشلة
  2. الإخون خانوا الثورة وليسوا شركاء أصيلين فيها
  3. الإخوان أرادوا الاستحواذ على الثورة.
  4. الإخوان سبب الأزمات الاقتصادية والتفكك المجتمعي

وسنتناول ثلاثة أفلام من هذه الموجة، لجهات إنتاجية مختلفة، تصب جميعها في نفس الرسائل، وهي رسائل شوهت فكرة الثورة من الأساس ودعمت ثنائية (عسكر- إخوان)، وخلقت صورة ذهنية وحاجزا نفسيا لدى الجماهير يمنعها في المستقبل القريب من القيام بأي حراك يؤدي إلى تغيير النظام.

النتيجة النهائية وفق هذه الأفلام هي: إما صعود "الإخوان" للحكم، أو استمرار "العسكر" مع خلق رابط ذهني يشير إلى أن كلا الفريقين يحملان نفس التهديد من حيث الاستحواذ والديكتاتورية والقمع، مع إظهار أن القمع العسكري أهون من القمع الديني الثيوقراطي، وفقا للموروث الشعبي.

أولا: فيلم "المندس":

الفيلم من إنتاج قناة "الجزيرة الوثائقية"، وكان عرضه الأول في 11 أكتوبر 2013، أي بعد مذبحة رابعة بنحو شهرين، لكن وفقا لما تقتضيه صناعة الأفلام الوثائقية، يمكن أن يتم تحديد بداية الإنتاج بثمانية أشهر قبل الإصدار.

يدور الفيلم حول ظاهرة البلطجة ودور أجهزة الدولة في إفشال ثورة يناير، التي طفت إلى السطح مع إعلان مبارك تخليه عن رئاسة الجمهورية، ويركز بصورة كبيرة على أحداث محمد محمود والسفارة الإسرائيلية ومجلس الوزراء، وحملة "عسكر كاذبون"، وصولا إلى أحداث الاتحادية.

وفقا لرواية الفيلم يصطحبنا مهند، أحد الشباب الذين شاركوا في ثورة يناير، كراوٍ للفيلم ومعلق على الأحداث التي قام بتصويرها منذ موقعة الجمل وحتى فض اعتصام رابعة. وخلال تلك الأحداث يوثق لنا كيف طرأت له الفكرة أن يتنقل مندسا بين الأطراف المختلفة، وأن يكون في القلب من الأحداث، ويصور من الطرف الآخر حيث البلطجية يتعاونون مع الأجهزة الأمنية (جيش/شرطة) ويرصد لنا أيضا اندساسات البلطجية وسط المتظاهرين.

لم تقدم رواية مهند جديدا عما هو معروف، بل كانت مجرد سرد موثق بالصورة، وهذه أيضا كانت معروفة ومتداولة، ووجوه البلطجية تداولها الكثير من النشطاء، ولكن مهندا كتبت له رواية تم عرضها علينا، وكان الهدف منها رسالة أساسية بدأت منذ اللقطة الأولى في الفيلم "الإخوان لا يصلحون لإدارة دكان بقالة"، كونهم لم يدركوا حجم المخاطر التي تمثلها الأجهزة الأمنية على الثورة. وهي رسالة قريبة من الرسالة التي أعلنها فيما بعد رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ضمن حديث لجريدة "القبس" الكويتية، في 4 مارس 2022، حيث قال: "كانوا مساكين، ومستواهم لا يرقى للحدث والمناقشات.. يصلحون لإدارة دكان وليس للدولة".

تحليل لبعض مشاهد  الفيلم

المشهد الأول:

يقول مهند: "طلبت أقابل حد من الرئاسة فقالوا لي هنقابلك بره القصر علشان القصر متراقب، فقلت ازاي رئيس جمهورية قاعد في قصر مراقب وهو ما عندوش كونترول عليه؟. وبعدين رجعوا قالوا خلاص أمنا دخولك القصر.

كنت خايف من الإخوان فجهزت ساعة فيها كاميرا، وميدالية فيها كاميرا وقلت: لو عديت بدول ودخلت القصر يبقى  كده خلاص البلد كلها متسلمه يعني.. فتشوني تفتيش تفتيش يعني، ومع ذلك دخلت بالكاميرتين".

تحليل مضمون المشهد:

- لم يستطع الإخوان السيطرة على أجهزة الدولة العميقة الممثلة في العسكر

- الإخوان يديرون الدولة بضعف وقلة حيلة.

- يمكن لأي مبتديء أو هاو أن يقوم باختراق القصر وتصوير ما شاء وليس العسكر فقط.

المشهد الثاني:

يقول مهند:"قعدت مع ناس  من الديوان واللي قعدت معاه استغرب ازاي أنا شخص لوحدي وعملت كل ده.

قلت لهم: جهزوا فريق وأنا مستعد أديره علشان تعرفوا البلطجية اللي بيثيروا الناس حواليكم وسلمتهم نسخة من اللي أنا عامله. قال لي: اللي يهمني العسكريين اللي قتلوا الناس أو اللي بيتعاونوا مع الفلول.. أنا عاوز كل صورهم وكل البيانات عنهم.

قلت له طب والباقي؟ قال لي: الباقي ما دام متظاهرين بيعبروا عن رأيهم خلاص مفيش مشكلة.

قلت له: اعملوا مجموعة تنزل تصور المتظاهرين اللي بيعملوا أعمال عنف، وهقول لكم ازاي تعملوا ده وإيه اكاميرات اللي هتجيبوها وتجيبوها ازاي .

قال لي: لا دي وظيفة الشرطة. .لو كانوا استخدموا الداتا دي ما كناش رجعنا لحكم العسكر. وهو ما قدرش حجم المشكلة اللي ممكن المجموعات دي تعملها".

تحليل مضمون المشهد:

- تم التسجيل لشخصية المفترض أنها مساعدة للرئيس في مكتب داخل قصر الاتحادية بكاميرا خفية لهاو (الإخوان مجموعة دراويش لا يستطيعون حماية امنهم الشخصي).

- الإخوان لم يقدروا الموقف وخطورته.

- المعلومات الموثقة لا تعني لهم شيئا.

- كل ما يهمهم هو المؤامرة المباشرة من العسكر.

- رغم معرفتهم أن أجهزة الدولة ليست معهم فهم يعتمدون عليها في مواجهة المؤامرة على الثورة.

- الاخوان لا يستطيعون حماية الثورة .

الخلاصة:

1-  الفيلم لم يقدم إدانة رسمية للعسكر رغم إظهاره التعاون بينهم وبين البلطجية.

2- سردية أن الجيش والشرطة هم من يقفون خلف الطرف الثالث ذكرها الدكتور البلتاجي والشيخ حازم أبو إسماعيل.

3- حصول الفيلم على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2014، وهو من إنتاج "الجزيرة" الملاحقة والمغلق مكتبها في مصر في ذلك الوقت يثير العديد من التساؤلات.

4- لم يقدم الفيلم أشخاصا بعينهم في المؤسسة العسكرية أو الشرطية، ولكنه ترك الأمر مشاعا.

5- الإدانة الوحيدة في الفيلم جاءت للإخوان وعدم قدرتهم على التفاعل مع الحدث ومن ثم حُمّلوا في الفيلم مصيبة الانقلاب التي عانوا هم منها بالأساس.

6- السؤال الذي ظل يتردد ولم يجد الباحث له إجابة: هل كان مهند مستقلا حقا وباحثا عن الحقيقة؟ وكيف نجا من مصير الشيخ عماد عفت الذي قتل لمجرد فتوى أطلقها بحرمة التصويت لفلول الحزب الوطني المنحل في الانتخابات البرلمانية.

ثانيا فيلم الميدان:

صدر فيلم الميدان عام 2013م، وكان أول عرض له في مهرجان القاهرة السينمائي. ووفقا لمنتجة الفيلم ومخرجته "جيهان نجيم" (مصرية المولد أمريكية الجنسية)، فقد بدأ انتاج الفيلم عام 2011 وكانت هي تتابع مسار الثورة المصرية وما سينتهي به حالها.

ظلت "نجيم" ترصد أحداث ثورة يناير منذ انطلاقها بعيون مجموعة من الشخصيات التي شاركت فيها، يحملون اتجاهات مختلفة، وفقا لما جاء على لسان شخصياتها، فهناك تمثيل للحركة الإسلامية (مجدي عاشور)، و للتيار الليبرالي (خالد عبد الله، دينا)، والتيار اليساري (بثينة كامل، رامي عصام، عايدة الكاشف، شريف البرعي)، إضافة إلى الراوي الرئيسي للأحداث، والذي لا يحمل أي اتجاه فكري غير رفضه لدولة مبارك والعسكر والإخوان.

رُشّح الفيلم للتنافس في فئة الفيلم الوثائقي لجوائز الأوسكار عام 2013، وفاز بعدد من الجوائز، منها أفضل فيلم وثائقي في مهرجان تورنتو، وجائزة الرابطة الدولية للأفلام الوثائقية، وجائزة منطمة العفو الدولية، عى هامش مهرجان برلين السينمائي .

نستطيع أن نلخص الرسالة الأساسية في هذا الفيلم، الذي امتد لساعة وأربعين دقيقة في جملة واحدة: "الاخوان خانوا الثورة بعدما استغلوها لمصلحتهم وفي النهاية عاقبهم الشعب".

فمنذ الدقيقة 44 في الفليم، تحول المسار من رصد انتهاكات العسكر ضد  الشعب إلى تحميل الإخوان وزر ما يقوم به العسكر، من خلال رواية أحمد حسن، التي بدت أنها ليست رواية من وجهة نظره، وإنما من خلال تعليق صوتي مكتوب بحرفية لمؤدٍّ يقوم بدوره، فهي رواية تم الخلط  فيها بين الرؤية الخاصة من مساحة أحمد حسن ورغبة صانعة الفيلم في سرد رواية إدانة لتيار بعينه؛ للترويج لدى الغرب أنه تيار يستحق ما حدث له.

الرسائل التي حملها الفيلم:

  1. الإخوان لم يشاركوا من بداية الثورة .
  2. الإخوان سارعوا لعقد صفقة خفية مع العسكر .
  3. قيادات الإخوان "خونة" وبعض قواعد الإخوان هي التي تحمل روحا ثورية.
  4. عموم القاعدة الإخوانية تطيع الأوامر "بغباء".
  5. لا تختلف ديكتاتورية الإخوان عن ديكتاتورية مبارك.
  6. كان لابد من الثورة على الإخوان لنمنع عودة نظام مشابه لنظام مبارك.
  7. 30 يونيو ثورة على حكم الإخوان لاستكمال أهداف الثورة.
  8. الإخوان يفوزون بالانتخابات لأنهم منظمون وقادرون على الحشد.
  9. الرئيس لا ينفذ أحلام المصريين بل ينفذ أوامر المرشد .

استطاع الفيلم أن يؤكد تلك الرسائل باختياره الشخصية الرئيسية للرواية، والحوار المكتوب لها، فأحمدحسن -كما أطلقت عليه مخرجة الفيلم- يحمل مواصفات الشاب المصري المطحون الفقير، الذي يعبر وجهه عن شقاء السنين التي عاشها أيام مبارك، وجاء إلى الميدان بحلم التغيير ، ليصطدم بالإخوان الذين يراهم "كذابين وانتهازيين" وسرقوا حلمه في بلد لا تسود فيه العدالة الاجتماعية .

في المقابل، اختار الفيلم شخصية المشارك الاخواني في الثورة من الشخصيات التي لا يعرف مدى ارتباطها بالإخوان فـ (مجدي عاشور) الذي قدمته المخرجه كأحد عناصر الاخوان المشاركين في الثورة، لا يحمل أي رؤية واضحة للثورة، ولا ما ستؤل إليه الأحداث، بل هو مجرد مشارك ممن يموج بهم الميدان، لا يتحدث إلا عن وحدة التيارات والتعاون بينها أثناء أيام الثورة الثمانية عشر،  ولا يبدو أن لديه ارتباطا تربويا أو تنظيميا بالإخوان، لذلك يظهر كورقة تتقاذفها رياح الأحداث، فهو يرفض أحيانا ما يفعله الإخوان، ويحتج على أحداث الاتحادية ويدين فيها الإخوان، متماهيا مع موجة التيار الليبرلي واليساري والدولجي، ثم نراه في نهاية الفيلم معتصما في رابعة كانتماء تنظيمي!.

في مقابل كل الاتهامات الموجهة للإخوان، التي جاءت على ألسنة المشاركين في الفيلم، لم تكن هناك جملة واحدة في الفيلم تحمل وجهه نظر الإخوان، ولو من باب الرأي الآخر، فمجدي عاشور، الذي اختارته المخرجة ليكون لسان الجماعة، كان أحيانا عنصر إدانه وهجوم على بعض القرارات التي اتخذتها الجماعة.

بهذا، عرضت المخرجة سردية أحادية الاتجاه لرواية أكثر سلطوية منها كرواية لثورة تم إجهاضها.

لا يخرج هذا الفيلم عن كونه مقال رأي طويل كتبته المخرجة وفريق العمل؛ من أجل إدانة طرف وحيد في الأحداث، فمنذ اللقطة الأولى يبدو الانحياز، إذ بدأت المخرجة عملها بكادر ينقطع فيه التيار الكهربائي، ثم يعلق راويها (أحمد حسن) بسخرية على الأمر، فيقول: "العيال بتمشي في الشارع تقول: قيد النور يا عم خللي عندك دم"،  ثم يبدأ بعدها بالدخول في رواية الثورة التي تنتهي بما يطلقون عليه "ثورة 30 يونيو".

تحليل بعض مشاهد الفيلم:

مشهد لانقطاع الكهرباء في فيلم "الميدان"

المشهد الأول:

يبدأ المشهد بسؤال من شخص ما ضمن مجموعة: إيه اللي حصل؟

يرد الراوي، أحمد حسن: "النور قطع.. النور قاطع في الدنيا كلها.. والعيال الصغيرة تمشي في الشارع وتقول: قيد النور يا عم خللي عندك دم"

تحليل المضمون المشهد:

بدء الفيلم بهذا المشهد له العديد من الدلالات، كمضمون للصورة والظلام والشمعة، والمجموعة الموجودة في المشهد.

الظلام إشارة إلى فترة رئاسة الدكتور مرسي، والشمعة هي الأمل في الشباب المجتمع قبل 30 يونيو، والشباب المجتمع رمزالتغيير القادم.

 المشهد ككل يؤكد أن شيئا لم يحدث بعد ثورة يناير، وأن النور (التغيير) ما زال بعيدا.

أحمد حسن الراوي الرئيسي للفيلم.. وجه يحمل الإصرار على مقاومة الماضي وحمل المستقبل ويعبر عن طفولة عاشت البؤس في زمن مبارك وترفض ان يتم التلاعب بها

مجدي عاشور.. وجه آخر للشقاء ولكنه شقاء لمستسلم لجهة تقوم على توجيهه.. ضعيف يحتمي بالكل من أجل محاولة البقاء ولكنه لا يحمل أي رؤية خاصة.. هو يرى ويسمع ولكن لا يفهم  ما حوله لذلك يسهل تلقينه من الجميع

خالد عبد الله الطبيب القادم من أمريكا يحلم بالعودة إلى حضن الوطن والإقامة فيه بعدما تنجح الثورة فيقع بين حلمين متنافضين: حلم الإسلامية وحلم الدولة الليبرالية أو ما تسمى بالمدنية

المشهد الثاني:

خالد: "فيه ناس بتقول إن الإخوان عاملين زي صفقة مع الجيش"

مجدي: "ممكن بعض قيادات الإخوان تتفق اتفاقا غير مرئي بينا إن آه ممكن ما يتواجدوش لو الجيش موش عاوز في الميدان"

خالد: "وانت شايف إيه؟"

مجدي: "أنا  شايف إن ده خطأ يعني"

تحليل مضمون المشهد:

تأكيد اهتزاز الشخصية الإسلامية، وتمزقها بين رغبتها في التوافق مع المجتمع الذي يدفع الليبراليون في تكوينه، وبين الرؤية الإسلامية للدولة.

أيضا تأكيد فكرة الطاعة العمياء، فمجدي رغم عدم قناعته كان موجودا في حشد السلفيين والإخوان في جمعة الشريعة، التي تعالت فيها الهتافات بإسلامية الدولة.

المشهد الثالث:

يقول أحد الموجودين على رصيف الميدان: "الإخوان هما اللي بوظوا الميدان يا عم.. دول فتوا فتاوي أقسم بالله العظيم تحرق الدم وبعد كده يطلعوا يقولوا كذب علني قدام الناس"

تحليل مضمون المشهد:

زاوية الكاميرا وحجم اللقطة تعطي انطباعا بأن الشباب تم حصره ووضع ظهره إلى الحائط، وأنهم الآن في مفترق طرق، بعدما "خانهم" الإخوان، كما جاء على لسان أحمد حسن، فهم يواجهون المجهول.

لقطة تؤكد "خيانة الإخوان وتحالفهم مع العسكر وكذبهم واستخدام الدين لتحقيق أغراضهم"، وفق صناع الفيلم.

ومنذ الدقيقة 36 بدأت تعلو نبرة الفيلم لتكثيف فكرة تحالف الاخوان مع العسكر.

المشهد الرابع:

يقول الراوي أحمد حسن: "بعد 150 يوم من انتخاب مرسي لقينا محمد مرسي اللي كان بيقول هيحقق مطالب الثورة والمصريين لقيناه بيحقق مطلب مرشد الجماعة.. وفصّل دستور على مقاس جماعته وادا لنفسه صلاحيات مبارك نفسه ما خدهاش" (في إشارة للقرارات التي اتخذها الدكتور مرسي لحماية الثورة من التفاف الجيش والتي فسرت بالديكتاتورية لمنعه من أن يغل يد الجيش).

تحليل مضمون المشهد:

وضع الجماعة في موضع عدو الشعب، والهجوم على دستور 2012 بزعم أنه دستور مقيد للحريات، واتهام الدكتور مرسي بأنه تابع لمكتب الإرشاد وليس رئيسا لمصر، واعتباره ديكتاتورا اسوأ من مبارك!.

المشهد الخامس:

أحمد حسن: "الثورة دي ليها 3 مراحل، جزء على مبارك وطفشناه، وجزء ع العسكر وطفشناه،

واللي احنا فيه دلوقتي على الإخوان"

تحليل مضمون المشهد:

مزيد  من تأكيد رسالة  الفيلم الأساسية وإلحاح على الرسالة: (مبارك= الاخوان)، (الاخوان =العسكر)، (الإخوان لابد أن تتم ازالتهم).

المشهد السادس:

أحمد حسن: "وادي مرسي وقع اهو والدور على اللي جاي خلاص.. احنا حياتنا هتفضل كده وهنفضل في الشارع"

تحليل مضمون المشهد:

تغير شكل وضحكة ونظرة أحمد حسن، التي تحولت من نظرة مهمومة بالمستقبل إلى فرحة، بعد أن غير من شكله (نيولوك جديد)، سواء في الملبس أو تسريحه الشعر؛ ليبدو أكثر تفاؤلا بالمستقبل، وعيونه توحي بالقدرة على مواجهة أي خطر قادم ممن سيحصل على كرسي الحكم، وجملته "قدرنا نسقط الإخوان وممكن نسقط أي حد غيرهم، ولم يعد داعي للخوف ممن سيحكمنا"، توحي بعدم  اهتمامه من القادم، فهو يستطيع أن يزيله- وفق تصوره-  وأن يعود للشارع.

الخلاصة:

  1. الفيلم يحمل وجهة نظر الثورة المضادة بامتياز وينحاز لفكرة استحقاق الإخوان ما حدث لهم .
  2. الفيلم أحد الأفلام التي شوهت الثورة بجعل الناشطين لا هم لهم إلا إسقاط  الإخوان
  3. شيطن الفيلم فصيل الإخوان لمنع أي التفاف حوله في المستقبل، وهي نفس النغمة التي عزفت عليها الثورة المضادة منذ تحولت لهدم الثورة لإبعاد النواة الصلبة في الكتلة الحرجة لأي حراك مقبل من مساندته.

ثالثا: فيلم العمارة:

في يناير 2020، بدأت دولة السيسي في الإنتباه لأهمية الأفلام الوثائقية؛ لتقديم السرديات الخاصة برؤيتها للأحداث وللشخصيات والوقائع قديما وحديثا.

وجاءت بدايات الإنتاج الوثائقي عن طريق قناة "دي إم سي" التابعة للشركة المتحدة المملوكة لجهاز المخابرات المصرية، وكان باكورة الإنتاج فيلم وثائقي عن الشهيد "سيد قطب"، لم يتورع صانعوه عن إلصاق تهمة الإرهاب والعنف بالرجل واتهامه بأنه "أبو تيارات العنف".

وفي يناير 2023، تم إطلاق "الوثائقية المصرية"؛ لتكون الوعاء الذي يعاد فيه صياغة التاريخ براوية "الجمهورية الجديدة" كما يطلقون عليها.

وسنتناول هنا فيلما واحدا من أفلام هذه القناة، أنتجته الشركة المتحدة، ينتمي إلى نوعية أفلام "الديكودراما" أو "الدراما الوثائقية"، وهو فيلم "العمارة" الذي عرضته القناة بمناسبة ذكرى 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو 2013، الذي عادت فيه الدولة المصرية إلى أحضان جمهورية العسكر، ووقعت أسيرة أسرة السيسي ومن والاهم .

تقوم فكرة الفيلم على إحدى العمارات التي قامت بخلع رئيس مجلس ملاكها، فخلت من اتحاد الملاك؛ ليقوم أحد السكان من المنتمين لتيار ديني متشدد (وفقا للسيناريو) بالحصول على منصب رئيس اتحاد الملاك، بعدما قام برشوة بعض سكان العمارة من المحتاجين.

 وبمجرد توليه للرئاسة ينصرف عن حل مشاكل العمارة إلى محاولة فرض نفوذه على السكان، والتدخل في شؤون دينهم وعبادتهم، ووصل به الأمر إلى تهديدهم بأقاربه.

وبموازة الدراما داخل العمارة، يرصد الفيلم تصاعد الغضب في الشارع على الإخوان ويصل إلى 30 يونيو، حيث يطرد رئيس اتحاد الملاك من العمارة، ويعلن السيسي تعطيل العمل بالدستور!.

رسائل  الفيلم:

  1. الإخوان انتهازيون لا يهمهم سوى مصلحتهم.
  2.  الإخوان أرادوا فرض طريقتهم في التدين على الشعب بالعنف.
  3. رسخ الفيلم ثنائية المرشد والرئيس.
  4. تم تبديل ديكتاتور  سابق بإخواني ديكتاتور.
  5. الإخوان اأادوا سرقة مصر وتغيير هويتها.
  6. االبلد خربت بسبب حكم الإخوان.
  7. 30 يونيو كانت ثورة إنقاذ للشعب من حكم الإخوان.
  8. طرد الإخوان من العمارة/البلد أعاد لها السلام.
  9. قتل الإخوان ووقوف الشعب مع الجيش لقتلهم كان ضرورة.
  10. ظاهرة البلطجة والفوضى جاءت بسبب ثورة يناير والإخوان.

تحليل بعض مشاهد الفيلم:

المشهد الأول:

زوجة الحاج راغب، الذي يسعى للحصول على رئيس اتحاد الملاك، في زيارة لأسرة مسيحية من سكان العمارة، لدعوتهم على العشاء

المشهد الثاني:

زوجة الساكن المسيحي تقول باستنكار: "من امتى بقى إن شاء الله؟ دي عمرها ما قالت لي صباح الخير "

تحليل مضمون المشهدين:

- وجه زوجة راغب ينطق بالحقد والتربص وتكلف التودد للنصارى (العلاقة غير جيدة وغير حميمة ومتوترة)

- اسم الحاج "راغب" يشي بالانتهازية، فهو راغب في السلطة.

- رد الأسرة المسيحية كان الاعتذار، لعدم اقتناعهم بأن الدعوة بريئة أو أن هناك مساحة ما للتعايش.

المشهد الثالث:

الحاج راغب في زيارة لأحد فقراء العمارة، يتحدث عن موضوع انتخابات رئيس اتحاد الملاك، وفي مقدمة الكادر هدية (زيت و سكر).

تحليل مضمون المشهد:

- استغلال احتياجات الناس وشراء ولاءاتهم من أجل الوصول للسلطة بأي شكل.

- رضوخ الناس للابتزاز.

- المرشد هو من يحرك الأحداث والرئيس مجرد صورة.

خلاصة الدراسة:

الراصد لكل الإنتاج الوثائقي، الذي تم إنتاجه خلال الفترة من 2011 وحتى تاريخ كتابة هذه الدراسة (يناير 2024)، سيجد أن هناك رسالة أساسية تقف خلفها كل المؤسسات التي انتجت عن الحالة المصرية ما بعد يناير، سواء كانت مؤسسات لها علاقة جيدة بالإخوان أو مؤسسات أجنبية من خارج منطقة الشرق الأوسط أو مؤسسات تابعة لنظام السيسي، تتلخص في كونها رسالة نفي الوطنية عن الإخوان والتخويف من وجودهم في المشهد السياسي والعام، ويمكن التعبير عنها بالجملة التالية: "الإخوان انتهازيون أرادوا تغيير الهوية المصرية ولا يصلحون لحكم مصر ولم ولن يكونوا مع الثورة.. أي ثورة".

*********

المصادر:

  1. جريدة لقدس – الفيلم الوثائقي اشكالات التعريف وازمة النوع -9 سبتمبر 2017 الفيلم الوثائقي: اشكالات التعريف وأزمة النوع الفيلمي (alquds.co.uk)
  2. اوفدرهايدي بتريشا – الفيلم الوثائقي مقدمة قصيرةجدا- ترجمة شيماء طه الريدي- مؤسسة هنداوي 2012 ص10
  3. نفس المرجع السابق ص15
  4. محمد نبيل طلب وصفا فوزي محمدعبد الله – الفلام الوثائقية    البرامج التسجيلية – القاهرة 2008 ص8
  5. ابراهيم الدسوقي وسامي حلمي –السينما المصرية الصامتة والوثائقية التسجيلية 1898 -1939  -القاهرة2010- المجس الاعلىللثقافةط1- ص4،5
  6. هاشم النحاس- مستقبل السينما التسجيلية في مصر-القاهرة المركز القومي للسينما-1990 ط2 –ص34