كيف نتناول الشخصيات التاريخية الإسلامية؟
الاثنين - 13 يونيو 2022
إعداد: أسامة أحمد
هذه موازين يجب أن نستحضرها و نحن نتناول شخصيات تاريخنا الإسلامي بشكل خاص:
1- "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا .. و إذا ذكر النجوم فأمسكوا .. و إذا ذكر القدر فأمسكوا" رواه عبد الله بن مسعود .. صححه الألباني
لا شك أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من أعظم الشخصيات التاريخية أثراً و صناعة للأحداث في تاريخنا . و كونهم بشراً غيرَ معصومين جعل بعض كتاب التاريخ يتجرأ فيتناولهم بألسنة حداد و كلمات خشنة عندما يتعرض لأخطائهم ( قد تكون نتيجة لاجتهاداتهم ) متناسين فضائلهم و صحبتهم و جهادهم و تزكية الله تعالى لهم "محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً" سورة محمد ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم لعمر في حادثة حاطب بن أبي بلتعة "يا ابن الخطاب ! و ما يدريك لعل الله اطّلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" أخرجه البزار و يؤكد ابن تيمية على أن "كل مؤمن آمن بالله ، فللصحابة عليه فضل إلى يوم القيامة"
2- البشارة بالجنة لا تعني العصمة . و لهذا المعنى علاقة بما سبق ، فالصحابة رضوان الله عليهم و حتى المبشرون بالجنة منهم لهم تجارب بشرية ، فكما نستفيد منها فإنها أيضاً تخضع للتقييم التاريخي بما تحمله من صواب و خطأ ، فلا يحملنا تقديرُهم و مكانتُهم و سابقتُهم و صحبتُهم
على تنزيههم عن التقييم التاريخي لمواقفهم ، فهم أصحاب تجارب ، لابد أن نستفيد منها . و إذا بدر منهم خطأ يرتبط بواقعة تاريخية نتيجة اجتهاد أو حتى ضعف بشري ( يذوب في بحار حسناتهم ) فيجب أن نُقرّه و لا نعتسفَ له التبريرات حتى تتم الاستفادة من تجاربهم .
3- التثبت في النقل و الرواية : فعدم التثبت يؤدي إلى خلل في تناول الشخصية التاريخية . فعندما نقرأ لأي مؤرخ أو كاتب يجب أن نتعرٌف أولاً على توجهاته و منطلقاته الفكرية و النفسية و موقفه من الإسلام عامة و من التاريخ الإسلامي خاصة ، ثم نبحث عما استند إليه من مراجع بخصوص الشخصية التاريخية التي تناولها . و كدارس أو مهتم بالتاريخ يجب أن تتعرف على منهجية أصحاب المراجع التاريخية التي ترجع أنت إليها ، فالطبري – مثلاً - في تاريخه أوضح منهجه : "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنىً في الحقيقة، فليعلم انه لم يؤتَ في ذلك من قِبَلِنا، وإنما أَتى من قِبَلِ بعضِ ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدِيَ إلينا" فإذا استغربت شيئاً مما نُقِل عن الطبري فابحث عمن نقل الطبري عنه ثم ابحث عن هذا الناقل في طبقات الرجال كطبقات ابن سعد أو سير أعلام النبلاء مثلاً لترى مدى مصداقية هذا الرجل . و لا بأس أن تتجول باحثاً في مراجع أخرى .
أحياناً ينطبع في الأذهان موقفاً من شخصية تاريخية ما ، كالظاهر بيبرس الذي خان و قتل قائده قطز بطل ملحمة عين جالوت غيلةً ونتخذ منه موقفاً كارها ، فلا نتوقع من سيرته خيراً ، لكن في الحقيقة كانت سيرته كتابين مختلفين ، فبعد تسلطنه على البلاد كان ذا أيادٍ بيضاء على البلاد و العباد : قضى على التمردات الفاطمية في القاهرة ، و أحيا الخلافة العباسية فيها ، و أحدث نهضة معمارية و تعليمية كبيرة في مصر و الشام و كسر شوكة المغول و الصليبيين بالشام .
و كذلك ينطبع اسم أحمد بن أبي دؤاد قاضي القضاة زمن المعتصم المعتزلي و المرتبط اسمه بمحنة خلق القرآن و سجن و تعذيب الإمام أحمد بن حنبل ، لكن الرجل كانت له مكانته العلمية و الأدبية و يصفه الذهبي في السِيَر وصفاً حسناً ( القاضي الكبير – له كرم و سخاء و أدب وافر )
4- يعرف الرجال بالحق ، و لا يعرف الحق بالرجال :
أحوال و مواقف الناس تتغير ، لكن الحق ثابت لا يتغير . عندما سئل علي بن أبي طالب – وقت فتنة الجمل – أيكون الزبير و طلحة و عائشة على الباطل و تكون أنت وحدك على الحق ؟ كان جوابه : "اعرف الحق تعرف أهله . إنما يعرف الرجال بالحق و لا يعرف الحق بالرجال" . و رد عن تساؤل مماثل : "و الله داؤنا العضال أننا نعرف الحق بالرجال" .
5- الاعتراف بحدود الكمال البشري :
الشخصيات التاريخية - باستثناء الأنبياء – ليسوا معصومين من الخطأ . و عندما نقتدي بالصحابة رضوان الله عليهم فنحن نتبعهم في كل مسلك يسلكونه ،و إذا كنا نتبعهم في اسغفارهم من ذنوبهم و أوبتهم إلى الحق و بكائهم على خطيئاتهم فإن هذا يبين أن لكمالهم حدوداً بشرية . التعامل مع شخصيات الصحابة – تاريخياً – بالمغالاة فيهم و تنزيههم عن الخطأ يحرمنا من الاستفادة من تجاربهم ، فكيف الاستفادة من تجارب أناس معصومين من الخطأ ؟!
إن المسلم التقي قد تغلبه نفسه أو يغويه الشيطان ثم يتذكر و يعود إلى الجادة . و مدح الله عباده بأنهم يخطئون ثم يعودون إلى الحق "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" سورة الأعراف . جاء في حديث عبادة بن الصامت "فلما اختلفنا في الغنيمة و ساءت أخلاقنا انتزعها الله منا فجعلها لرسوله فقسمها على الناس سواء" ابن حجر – فتح الباري . و أهل بدر هم كما نعلم ، و كما أخبر عليه الصلاة و السلام عمر رضي الله عنه "لعل الله اطٌلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ابن حبان .
6- مراعاة الموروث الجاهلي :
كانت الشخصية التاريخية في العصر النبوي و العصر الراشدي قريبة عهد بالجاهلية ، و لهذا تأثر بعضها بالموروث الجاهلي ، ليس بالطبع بشأن العقيدة الذي قُطِعَ دابره ، بل بالموروث الاجتماعي كالتعصب القبلي كما حدث بين طائفتين من الصحابة في العودة من غزوة المريسيع حتى نهرهم النبي صلى الله عليه و سلم : "ما بال دعوى أهل الجاهلية" البخاري . و لما بايع الناس أبا بكر رضي الله عنه قال أبو سفيان لعليٌ : "غلبكم على هذا الأمر أذلُ بيت من قريش ، و الله لأملأنها عليكم خيلاً و رجالاً" كتاب المغازي . و بعض الباحثين في الدولة الأموية - و منهم الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله - يرون أن من أهم عوامل سقوطها إعلاء شأن العنصر العربي على حساب الأعاجم .
7- وضع الشخصية التاريخية في إطارها الزمني :
في تاريخنا الإسلامي يتضح البون الشاسع عند مقارنة خلفاء بني أمية أو بني العباس بالخلفاء الراشدين ( باستثناء عمر بن عبد العزيز ) . عند دراسة شخصية تاريخية كعبد الملك بن مروان لا يمكن مقارنته بأي من الخلفاء الراشدين ، فالصراعات و الفتن و البعد الزماني عن المحضن النبوي و الراشدي الذي اقترب فيه الحكم من المثال النبوي ، كل هذا جعل عبد الملك بن مروان يتصدى لتلك الفتن و الصراعات بمنتهى القسوة مستعيناً بسيفبه البتارين الحجاج و المُهَلّب ، و بالطبع لم يكن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للقضاء على الفتنة ( كضرب الكعبة بالمنجنيق و إعمال السيف في المعارضين ) بل كانت هناك وسائل أخرى تحقن بها الدماء . لكن كان لسلفه يزيد بن معاوية سابقة في جريمتيه : وقعة الحرة بالمدينة ، و قتل الحسين في كربلاء ، فابتعد المنحنى تماماً عن النموذج النبوي و الراشدي فغاب الكثير من قيم الإسلام عن معظم الخلفاء و وضع إطار آخر - تقبله الناس أو لم يتقبلوه - أصبح واقعاً تُحاكَمُ إليه الشخصيات التاريخية ، و أصبح نهج من جاء بعدهم - إلا من رحم الله - قول عبد الملك بن مروان "إني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، أيها الناس : إنا نحتمل لكم كل اللَغوبة ما لم يكن عَقْد راية ولا وُثوبٍ على منبر، هذا عمرو بن سعيد، وحقه حقه، وقرابته قرابته، قال برأسه هكذا، فقلنا بسيفنا هكذا". سير أعلام النبلاء
و يوضح الإمام المؤرخ شمس الدين الذهبي هذا المعنى عند تناوله سيرة يزيد بن معاوية "كان قوياً شجاعاً ذا رأي و حزم و فطنة و شجاعة ، و كان ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً ، يتناول المسكر و يفعل المنكر . افتتح دولته بمقتل الحسين و اختتمها بواقعة الحرٌة فمقته الناس و لم يبارَك في عمره .. و يزيد ممن لا نسبه و لا نحبه و له نظراء من خلفاء الدولتين بل فيهم من هو شر منه و إنما عظم الخطب لكونه وُلٌيَ بعد وفاة النبي بتسع و أربعين سنة و العهد قريب و الصحابة موجودون كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه و من أبيه و من جده".
8- وجوب الإنصاف :
يجب عدم الحكم على الشخصية التاريخية من خلال آراء الخصوم فيها أو ما أشيع عنها . المثل التاريخي الذي يُضرَب للمستبد الأحمق هو قراقوش ! لكن من يدرس سيرته يجده الوزير بهاء الدين قراقوش نائب السلطان صلاح الدين الأيوبي و الذي كان ينيبه عنه في سفره للشام ، فكيف ينيب السلطان عنه رجلاً أحمق !؟ و كان أيضاً من أعظم المهندسين في عصره ، فهو من بنى سور مجرى العيون لنقل مياه النيل إلى القلعة عبر مسارب فوق السور بطريقة هندسية دقيقة ! و من أُشاع عنه الحمق و الاستبداد هو أحد أعدائه و كان أديباً نصرانياً و هو ابن مماتي الذي ألف كتابه السخيف "الفاشوش في حكم قراقوش" و قد ملأ صفحاته بسخافات و افتراءات عن قراقوش راجت بين السوقة و العامة لما فيها من سخرية و ابتذال !
9- الابتعاد عن المزالق التاريخية :
قد يعجبك كاتب أو داعية أو مفكر ، و أثناء استماعك أو قراءتك له يتعرض لشخصية تاريخية – يخرج في تعرضه لها عن الصواب – فتنزلق معه ، و لعلك تقرأ ذلك عن جمال الدين الأفغاني - لكاتب كاره للماسونية – أنه انضم إلى أحد المحافل الماسونية . هذا صحيح ، انضم إلى الماسونية ، لكن هل كان أحَد قد اكتشف حقيقتها وقتها ؟ بالطبع لا ! كانت لها أنشطة خيرية ، و كانت لها شعارات إنسانية مقبولة ( و هذا يعود بنا إلى ما أشرنا إليه آنفاً من ضرورة وضع الشخصية التاريخية في إطارها الزمني و المكاني عند تناولها ) . و تقرأ أيضاً عن أحمد عرابي -لكاتب كاره للتبشير - أن أول مؤتمر تبشيري في مصر كان في بيت عرابي ، و لم يعلم الكاتب أن بيته الذي انعقد فيه ذلك المؤتمر كان قد تم مصادرته بعد ثورته على الخديوي توفيق !
و عندما لا يكون للمؤرخ نصيب كاف من العلم و الثقافة الشرعية يكون من السهل أن تنزلق قدمه - و هو يؤرخ لشخصية تاريخية – مهما علت قدمه كمؤرخ . الدكتور أحمد شلبي أنكر البراق و المعراج ، كما أنكر الدكتور حسين مؤنس كثيراً من المعجزات النبوية و رد كثيراً من أحاديث الشيخين .
كيف نتناول الوقائع التاريخية؟
1- عدم الخلط بين المشاعر و الوقائع :
هناك من الوقائع ما لا تملك التحكم في مشاعرك من بشاعتها عند قراءتها . و من هذه الوقائع مقتل الحسين رضي الله عنه ، و ما سبقها من ضرب الكعبة بالمنجنيق ، و الواقعتان حدثتا زمن يزيد بن معاوية . قبلهما حدثت واقعتان مريرتان : الجمل و صفين ، ثم بعد ذلك بستة قرون كان اجتياح المغول حواضر الإسلام و بخاصة المقتلة العظيمة في بغداد.
أمثال هذه الوقائع الشديدة على المؤرخ المسلم تلزمه – كما تلزم الباحث و الدارس للتاريخ – عدم تجاوز الحقائق التاريخية . لكن بعض الذين ساءهم توجيه أي نقد لأي من الصحابة وقت الفتنة زمن عثمان رضي الله عنه وجهوا سهام اتهامهم إلى عبد الله بن سبأ وحده و من شايعه من أهل الفتنة ، و أرجعوا ما حدث بين علي و معاوية رضي الله عنهما في الجمل و صفين إلى المنافقين المندسين في جيشي كل منهما ، و تغاضوا عن الأخطاء التي أبت مشاعرهم أن تُوجٌهَ أياً منها إلى صحابي واحد ، مع أن أخطاء من أخطأوا – رضي الله عنهم جميعاً – كانت اجتهادات منهم لا يتسع المجال الآن لطرحها .
و لعل المشاعر غلبت البعض في تناول ما حدث في سقيفة بني ساعدة من امتناع علي عن بيعة أبي بكر - رضي الله عنهما – مبكراً و تأخرها ستة أشهر ، فبعض من أرّخ للواقعة أنكر ذلك كالقاضي ابن العربي ، مع أن رفض علي بيعة أبي بكر يدل على ثقافة الاختلاف و التنوع و تعدد الرؤى . لكن إنكار الرفض قَبِلَه بارتياح من يغالي في الصحابة رضي الله عنهم ، و من يريد إخراس و تكذيب دعاوى الشيعة الروافض .
و من أجل الانحياز لرأي أو توجه سياسي ، اعتمد بعض ممن انحاز لمعاوية في خلافه مع علي رضي الله عنهما اللجوء لأحاديث موضوعة و منها ما أورده ابن عساكر "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال : استكتبه فإنه أمين".
و من ردود الأفعال غير المنضبطة - لمن ساءهم سطوة بني أمية على الحكم - طمس إنجازات بني أمية و التهوين من شأنها ، أما من أغرقوا أنفسهم في كراهية الشيعة فهم يتأولون لواقعة كربلاء و يكادون يحملون الحسين رضي الله عنه ما حدث !
2- تجنب الخوض في الفتن :
ليس معنى الخوض في الفتن عدم دراسة الأحداث و أخذ العبر من وقائع التاريخ ، فهذا واجب على أهل الاختصاص ، لكن الذي يجب تجنبه هو الخوض في التفاصيل المؤلمة حتى لا يصل المستمع أو القارئ إلى بغض الصحابة أو التهوين من شأنهم .
3- الحذر من عدم الإنصاف :
أحياناً يحكم الناس على فترة تاريخية من خلال ما يذكره الخصوم . فالحمدانيون شيعة ، و الشيعة في ذاكراتنا يحملون – بحق – من السلبيات الكثير . لكن الحمدانيون كانوا على ثغر هام من ثغور الإسلام و هو الحدود الشمالية الغربية لبلاد الشام ، و كثيراً من كانت لهم منازلات مع الروم البيزنطيين ، فالنظرة إليهم من المنظور الطائفي يبخس حقهم التاريخي كمجاهدين وقفوا على ثغر من ثغور الإسلام .
4- عدم تجميل التاريخ أو تقبيحه :
تاريخنا الإسلامي له ارتباط بالوحي ، فالقرآن الكريم له أثر كبير في صناعة تاريخنا : فالجهاد في سبيل الله و الدعوة لنشر دين الله ، و الذان جاء بهما الوحي كانا الدافعين إلى الفتوحات الإسلامية التي غيرت وجه تاريخ العالم . و بالرغم من هذا الارتباط الوثيق فإن المسلمون هم الذين فهموا الوحي و استوعبوه و وضعوا الخطط و استفادوا من خبرات البشر قاطبة ، مسلمين أو غير مسلمين ، و خاضوا المعارك ، و أخطأوا و أصابوا .
فتاريخنا صنعه البشر في الحقيقة و ليس الوحي ، فهو نتاج بشري به أخطاء يجب ألا نبررها ، فتاريخ الدولة العثمانية حافل بإخفاقات يحب الاعتراف بها و ليس البحث عن مبررات لها كما جاء في كتاب محمد فريد رحمه الله "تاريخ الدولة العلية" ، و كما فعل د. محمود زيادة في كتابه "الحجاج بن يوسف المفترى عليه" ! و لنعلم جيداً أن تاريخنا مشاع بين الأمم ، فلا نخفي السيء منه حذراً من معرفة أعدائنا به . و من الجهة الأخرى يجب عدم تقبيح التاريخ إما سَيْراً وراء بعض المتربصين من المستشرقين المتعصبين و تلامذتهم ، و انخداعاً بما تكتبه بعض الأقلام ، و إما إساءة فهم و سوء قراءة لناقد موضوعي يضع يده على أخطاء تاريخية محددة .
5- التركيز على العوامل الداخلية :
لا يمكن إغفال المؤامرات التي تحاك للأمة الإسلامية قديماً و حديثاً ، و لا يتسع المجال للتفاصيل . لكن هذا لا يعني أن الأمة خالية من أدوائها و أخطائها ، و رحم الله الأستاذ مالك بن نبي الذي نحت المصطلح الذكي : القابلية للاستعمار ، ذلك المصطلح الذي فتح عيون المصلحين على أدواء كثيرة نعاني منها أوردتنا ما نحن فيه . و لعل هزيمة أحد كانت خيراً كوننا نؤصل بها و نرجع إليها فيما يشبهها من وقائع "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم" سورة آل عمران .
عندما وقعت الفتنة في عصر عثمان رضي الله عنه و الثورة عليه رأينا من المؤرخين من يعزي الأمر كله إلى مؤامرة عبد الله بن سبأ ، و كأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا من السذاجة و قلة الدراية أن يتلاعب بهم رجل كابن سبأ . كما عزا البعض الفتنة - حصراً - بين علي و معاوية رضي الله عنهما في الجمل و صفين إلى دور المنافقين في صفوف الطرفين !
مصادر التاريخ الإسلامي
1- القرآن الكريم الذي حوى أحداثاً و قصصاً تاريخية بأقسامها الثلاثة : الماضي و الحاضر و المستقبل ( بالنسبة لزمن نزول القرآن ) . حوى القرآن عدداً من غزوات النبي صلى الله عليه و سلم كما حوى العديد من الأخبار فلا تكاد تخلو سورة من سوره من عرض لواقعة تاريخية أو إشارة إليها أو تأكيد على قانون أو سنة ربانية تتشكل حركة التاريخ بناءً عليها .
2- السنة و السيرة النبوية حيث هناك أحاديث كثيرة تتحدث عن قضايا تاريخية بالإضافة إلى أن سيرة النبي صلى الله عليه و سلم كلها تاريخ (تاريخ ابن هشام و زاد المعاد) .
3- كتب التاريخ الموثقة مثل ( تاريخ الإسلام ) للذهبي ، و ( البداية و النهاية ) لابن كثير ، و ( الكامل في التاريخ ) لابن الأثير ، و أمثالهم . قد يشوب هذه الكتب بعض الأخطاء لكنها قليلة . لكن هناك بعض الكتب كثرت بها شبهات و أخطاء مثل تاريخ الطبري ( تاريخ الأمم و الرسل و الملوك ) رغم عُلوّ قَدْرِه و غزارة علمه و السبب هو أنه جمع فيه كل ما وصله وقائع دون تمحيص في الرواة حيث أوضح ذلك عندما صرح في مقدمة كتابه "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنىً في الحقيقة، فليعلم انه لم يؤتَ في ذلك من قِبَلِنا، وإنما أَتى من قِبَلِ بعضِ ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدِيَ إلينا" . هناك أيضاً تراجم الرجال و أحوالهم من جرح و تعديل ، و من أشهرها (سِيَرْ أعلام النبلاء) للإمام شمس الدين الذهبي .
4- بعض كتب الجغرافيا التي جمعت بين الجغرافيا و التاريخ مثل معجم البلدان لياقوت الحموي حيث سجل أكثر المشاهدات التي رآها بنفسه .
5- كتب الرحلات مثل التي تحكي عن الرحلات إلى مكة و المدينة مروراً ببعض البلدان مثل مصر و الشام و العراق و بلاد المغرب ، و هناك أيضاً رحلات مثل رحلة ابن بطوطة و رحلة ابن جبير ، و أيضاً رحلة خير الدين الزركلي و رحلة شكيب أرسلان .
6- بعض كتب الأدب شرط أن يكون أصحابها ثقات و إلا فالتاريخ لا يستقى من كتب الأدب . و من أبرز الكتب الموثقة ( نفح الطِيْب في غصن الأندلس الرطيب ) للمَقّري التلمساني حيث لا غنى عنه للباحث في تاريخ الأندلس . و في كتب التاريخ الأولى تم استقاء الأحداث من الشعر العربي خاصة عند المؤرخين الأوائل .
7- كتب المذكرات و هي عُرِفت حديثاً منذ قرنين تقريباً ، و هي تحوي مادة تاريخية كونها قائمة على المشاهدة و السماع شرط ألا يكون صاحبها متهماً بالكذب و المبالغة . و قد يسيطر الميل الذاتي على كاتب المذكرات إلا أنها تعطينا غالباً معلومات هامة مثل مذكرات الشيخ علي الطنطاوي و مذكرات الإمام حسن البنا و مذكرات السلطان عبد الحميد .
8- الرسائل الشخصية المتَبادَلة بين العلماء و الأدباء و السياسيين مثل التي كانت بين المهدية مريم جميلة و أبي الأعلى المودودي ، و بين الشريف حسين بن علي و هنري مكماهون .
9- الوثائق الحكومية الخاصة بالعلاقات بين الدول الاستعمارية و قنصلياتها و سفاراتها في الدول المحتلة خاصة و أن تلك الوثائق يسمح لها بالظهور العلني بعد مضي بضع عقود من الزمان ,
10- المشافهات كالتي نشاهدها على قنوات التلفزة مثل ( شاهد على العصر ) بشرط أن يكون الذي يروي الأحداث ثقة عاصر الأحداث بنفسه أو نقله عن صحيح موثق ، و أيضاً لم يصبه خرف أو نسيان أو أن يأتي بأخبار كبيرة تفَرَّد بها دون غيره .
مؤرخون معاصرون موثقون ( مقتَرَحون )
ليس المقصود هنا ألّا تقرأ لغيرهم ، بل أن تكون كتاباتهم مراجع أساسية ، كونهم أصحاب رؤية إسلامية صادقة معتدلة و مؤهلين على مستوىً متميز في البحث التاريخي من خلال إنتاجهم المتميز بالعمق و الغزارة و منهم ( الترتيب ليس له علاقة بالأفضلية )
الدكتور عماد الدين خليل
الدكتور عبد الحليم عويس
الدكتور جمال عبد الهادي
الدكتور محمد بن موسى الشريف
الدكتور راغب السرجاني
الباحث محمد إلهامي
و هناك أساتذة عظام لا غنى عن الاطلاع على انتاجهم منهم :
الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور
الدكتور أحمد شلبي
الدكتور حسين مؤنس
الدكتور قاسم عبده قاسم
من مراجع المحاضرة
1- الخلافات السياسية بين الصحابة ( د. محمد المختار الشنقيطي )
2- الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية ( د. محمد المختار الشنقيطي )
3- فلسفة التاريخ ( د. جاسم سلطان )
4- أوراق ذابلة من حضارتنا ( د. عبد الحليم عويس )
5- بنو أمية – تقويم تاريخي .. مقال ( د. عبد الحليم عويس )
6- العواصم من القواصم ( القاضي أبو بكر بن العربي )
7- كيفية قراءة التاريخ و فهمه ( د. محمد بن موسى الشريف )
8- سير أعلام النبلاء ( الإمام شمس الدين الذهبي )
9- تاريخ الطبري
10- بهاء الدين قراقوش ( مقال للصحفي صلاح الإمام )
11- حوار متلفز ( قناة حوار ) مع الدكتور عماد الدين خليل
12- ما أخفاه العلمانيون من تاريخ مصر الحديث