أشرف الشربيني يكتب: التلمسانى وإجابات الساعة

الثلاثاء - 31 مايو 2022

- أشرف الشربيني

استمرار جماعة الاخوان المسلمين لعشرة عقود ملتزمةً بخطها العام الذى أرساه الامام المؤسس حسن البنا، يرجع فى جزء كبير منه الى أعراف رسخها سلوك قيادات ورموز جماعة الاخوان المسلمين.

تلك الاعراف التى أكسبت الجماعة قدرة كبيرة على الصمود والتكيف، أبقاها فاعلة فى المشهد المصرى لعقود طويلة رغم محاولات الاجتثاث التى لا تتوقف.

وعلى رأس تلك القيادات الاستاذ عمر التلمسانى المرشد العام الثالث لجماعة الاخوان المسلمين (1973 – 1986)، الذى صمد واخوانه أمام محاولات الاجتثاث ثم محاولات الاحتواء والترويض التى تعرض لها الاخوان طوال تاريخها.

لا مساومة على المبادئ.. فتنة التأييد

ففى خلال فترة ما بعد انقلاب عبد الناصر (1952-1970) والتى مورست فيها سياسة قمعية شديدة الوطأة على جماعة الاخوان المسلمين. وفى محاولة لاحداث فرقة بين الاخوان فى سجون عبد الناصر، روجت المباحث عام 1956، لفكرة أن هناك إفراجات قريبة لمن يكتب تأييداً لعبد الناصر! ولم يكتف رجال المباحث بذلك بل سعوا للضغط على الأهالي من أجل إرغام ذويهم على التوقيع على التأييد، فكان الأهالي يقولون للاخوان عند زيارتهم في حسرة وبكاء: البيوت خربت.. والأبناء تشردت.. والأعراض هددت، فارحمونا يرحمكم الله.. بل ان المباحث أجبرت زوجات بعض من الإخوان على طلب الطلاق من أزواجهن..

واستمرت هذه الفتنة لسنين طويلة تطوف بين السجون، محدثة خلافا كبيرا بين الاخوان! حيث تبدأ بكتابة خطاب تأييد لعبد الناصر.. وتنتهى بطلب كتابة تقارير عن الاخوان..

فلما لم تأت تلك السياسة بالنتائج المرجوة، لجئوا الى فكرة (التغريب)، فتم ترحيل من رفض التأييد الى سجن المحاريق.. ساعتها قال مأمور السجن للاخوان (لقد قررت الدولة أن تستفيد من عضلاتكم ، لأنها يئست من عقولكم الصلبة..)، كان واحدا من تلك العقول الصلبة، الهادئ الوادع الاستاذ عمر التلمسانى... ومعه محمد حامد أبو النصر ومصطفى مشهور ومحمد مهدى عاكف وأحمد حسنين وآخريين؛ وهؤلاء تحملوا ما لم يتحمله بشر، وقضوا مدةَ السجن كاملة، وكانت قيادة الاخوان المسلمين فى السجون قد قررت أن تأخذ بالعزيمة وترفض تأييد عبد الناصر، حتى لايُكتب فى التاريخ أن الاخوان أيدوا يوما ظالماً.

محاولات ترويض الجماعة.. فتنة التمويل

وعندما صار الاستاذ عمر التلمسانى مرشدا عاما لجماعة الاخوان المسلمين (1973-1986)، عُرضت عليه الأموال من الداخل والخارج، فرفضها جميعا، لانه أدرك أن من يمد يده لا يرفع رأسه..

فقد عرض عليه رئيس الوزراء المصرى ممدوح سالم المال ليمول به مجلة الدعوة، لكن التلمسانى رفض.

وكذلك عرض عليه كمال ادهم شقيق زوجة الملك فيصل المال عام 1975 أثناء موسم الحج، لكن التلمسانى رفض.

وتكرر هذا الامر أكثر من مرة، عندما كان الاستاذ عمر يذهب لاعطاء درس او محاضرة.. فيرفض فى كل مرة اى مقابل لها، ويرى أن هذا مما يحفظ على الدعوة إستقلال قرارها وهيبتها.

محاولة تحويل المسار.. الاحتواء

كانت جماعة الاخوان المسلمين بصيغتها التى كانت تعرِّف بها نفسها، تمثل أرَقاً كبيرا لسلطة الحكم فى مصر..

فجرت محاولات عديدة لاحتواء جماعة الاخوان المسلمين.. لكنها كلها باءت بالفشل، سواء فى عهد الاستاذ عمر التلمسانى او فى عهود غيره من مرشدى جماعة الاخوان المسلمين..

فكان الاستاذ عمر التلمسانى يتحدث عن دعوة الاخوان المسلمين فيقول : (نحن لسنا حزبا ولكن نحن هيئة إسلامية).

فقد عرض عليه السادات أن تتحول جماعة الاخوان المسلمين الى جمعية خيرية.. لكن التلمسانى رفض

كما عرض عليه ان يكون عضوا بمجلس الشورى.. لكن التلمسانى رفض

وعرض عليه أن تتحول جماعة الاخوان المسلمين الى حزب سياسى.. لكن التلمسانى رفض

عمر التلمسانى.. فاتح الدعوة

وعندما أسس السادات لتجربة المنابر عام 1976، والتى تحولت بعد ذلك الى أحزاب،  سلك جماعة الاخوان المسلمين سبيلا اخر غير الذى سلكته الأحزاب، فبرغم أنها كانت الوحيدة المحظورة قانونا! الا أنها فهمت اللعبة مقدماً، فقررت ان تمارس العمل السياسى انطلاقا من فكرها الاسلامى أولا، وفهمها للوضع السياسى ثانياً.

فقد فضل الاخوان المسلمون (مخاطبة الجماهير قبل مخاطبة النظام)، فانفتح عمر التلمسانى واخوانه على طلاب الجامعات المصرية، وعلى المجتمع المصر بكل طوائفه وطبقاته..

ومع اول انتخابات ديمقراطية أجراها السادات 1976، أيد الاخوان المسلمون الشيخ صلاح ابو اسماعيل وهو قريب منهم، دون يدخلوا المعترك بانفسهم. ومع انتخابات 1979 ينزل الحاج حسن الجمل ويفوز، وبرغم أنه احد الاخوان ، الا أنه نزل بصفة فردية.

لكن الامر تغير بداية من 1984 فى عهد مبارك، حين نزل الاخوان لاول مرة الانتخابات علانية على قوائم حزب الوفد، لتكون جماعة الاخوان المسلمين بعد ذلك نواة لحركة وطنية مصرية جديدة ، عجز عبد الناصر عن استئصالها، وعجز نظام السادات عن احتوائها او تطويعها، وعجز مبارك عن حصارها او تجفيف منابعها..

هذه كانت إجابات التلمسانى واخوانه على أسئلة مطروحة اليوم وبقوة، اسئلة خاصة بضغوط  كبيرة يمارسها نظام انقلاب 2013، من اجل تطويع وترويض الاخوان المسلمين، من خلال ورقة المعتقلين، او من خلال التلويح ببعض الحرية ان حولت الجماعة مسارها او غيرت معتقدها...

فهل يستجيب اخوان اليوم لما رفضه إخوان الامس؟

وهل يقف ميراث ضخم تركه أمثال التلمسانى وابو النصر ومشهور والهضيبى وعاكف وغيرهم، حائلا دون تنازلات يقبل بها الاخوان، ويسعى اليها اليوم الانقلاب العسكرى، كما تسعى اليه دول تملك المال والاعلام؟

 

المراجع

الإخوان وعبدالناصر ومحنة التأييد

https://bit.ly/3GgXbEG

الأستاذ عمر التلمساني في حوار هام وخطير مع المصور

https://bit.ly/3lAsLn1