ممدوح الولى يكتب: التشريعات البيئية المصرية.. قوانين عديدة وفاعلية محدودة

السبت - 12 نوفمبر 2022

- ممدوح الولي
( كاتب متخصص فى الشأن الإقتصادي المصري )

تتعدد التشريعات المصرية المتعلقة بالبيئة بين نصوص دستورية وقوانين وقرارات جمهورية وقرارات لمجلس الوزراء وقرارات وزارية لوزارات البيئة والصحة والإسكان وغيرها، ويمتد المدى الزمني لتلك التشريعات إلى عام 1900، وذلك بخلاف التشريعات الخاصة بالجهات الرسمية المشرفة على قطاعات البيئة المختلفة.

أبرزها قانون البيئة الصادر عام 1994، الذي تناول حماية البيئة الأرضية من التلوث، وحماية البيئة الهوائية من التلوث والتلوث الضوضائي والنشاط الإشعاعي، وحماية البيئة المائية من التلوث، سواء من السفن أو من المنشآت المجاورة للشواطئ، والنفايات الخطرة، وصدر تعديل له عام 2009 تم خلاله رفع قيمة الغرامات، وآخر عام 2015.

تضمن قانون البيئة عقوبات محددة لكل نوع من المخالفات، التي تراوحت بين الغرامة المالية متدرجة القيمة من 100 جنيه وحتى مليون جنيه، والحبس لمدد مختلفة، بل والأشغال الشاقة المؤقتة والأشغال الشاقة المؤبدة، ووقف ترخيص المنشآت المخالفة أو إلغاء تراخيصها، وضبط الآلات المستعملة في المخالفة ومصادرتها، مع النص على توقيع أية عقوبة أشد منصوص عليها في قوانين أخرى.

وسبق قانون البيئة قانون متخصص لحماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث عام 1982، وقانون للمحميات الطبيعية عام 1983، وهناك قانون لنظافة الميادين والطرق والشوارع عام 1953، وقانون للنظافة العامة عام 1976، كما بلغ عدد القوانين الخاصة بردم البرك والمستنقعات 9 قوانين منذ عام 1914 وحتى 2019.

ومثل ذلك بصدور 4 قوانين خاصة بصرف مياه المحلات العمومية والمنشآت منذ عام 1946 وحتى 1962، كما صدر قانون بتسوير الأراضي الفضاء والمحافظة على نظافتها عام 1947، وهكذا تخطى عدد القوانين البيئية 22 قانونا، تم إلغاء بعضها ودمج أخرى في غيرها، مثلما حدث مع قانون منع تلوث مياه البحر بالزيت الصادر عام 1968 الذي أدمج في قانون البيئة.

تلوث صناعي متعدد الأشكال

يبقى السؤال الأهم حول فاعلية تلك القوانين، ونذكر هنا بعض مواد قانون البيئة الذي لم يجد مجالا للتطبيق رغم صدوره منذ 38 عاما، ومن ذلك المادة 37 المتعلقة بمراعاة نظافة صناديق جمع القمامة وسيارات نقلها، وأن تكون الصناديق مغطاة بصورة مُحكمة. وبنظرة سريعة لصناديق القمامة بالشوارع لن نجد خلالها أي صندوق مُغطى رغم أهمية ذلك في منع انتشار الذباب.

وفي المادة 46 التي تلزم المدير المسؤول عن المنشأة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التدخين في الأماكن المغلقة وتخصيص حيز للمدخنين بما لا يؤثر على الهواء في الأماكن الأخرى، وبنظرة عابرة على المقاهي المنتشرة في الشوارع يتبين تفشي تناول الشيشة بخلاف تدخين السجائر.

كذلك النص في المادة نفسها على حظر التدخين في وسائل النقل العام، وهو ما لا يطبق عمليا، رغم النص على غرامة تتراوح قيمتها بين 50 و200 جنيه للمدخن. أيضا ما نصت عليه المادة 42 من التزام جميع الجهات والأفراد عند ممارسة الأنشطة الإنتاجية أو الخدمية أو غيرها عند تشغيل الآلات والمعدات واستخدام آلات التنبيه ومكبرات الصوت؛ بعدم تجاوز حدود شدة الصوت.

بينما يلاحظ أي متجول في الأسواق كم الضجيج المنتشر، وحتى داخل محلات الخضر والفاكهة تجد من ينادي بصوت عال معلنا عن عروض لبعض الأصناف، كذلك الضجيج المنبعث من الآلات الحرفية بالمناطق الشعبية، وضجيج آلات قطع الأخشاب بورش النجارة وورش سمكرة السيارات، حيث تتواجد الورش في الأدوار السفلية للبيوت.

ودلل صديق يقطن في مدينة السادات على حالة الركود بعد قرار منع البناء، قائلا لم نكن نستطيع النوم بسبب طرق عمال نجارة المسلح الذين يجهزون القواعد الخشبية طوال الليل لصب الخرسانة عليها، بينما الآن لا نسمع أي صوت.

وربما يرى البعض أن إثارة مسألة الضوضاء والتدخين نوعا من الرفاهية، مقارنة بأنواع التلوث الأخرى المتعددة والأشد خطرا، ومن ذلك التلوث بالسموم سواء المنبعثة من عوادم السيارات بالشوارع المزدحمة في المدن، أو تراكم غبار عوادم السيارات على أوراق المزروعات المجاورة للطرق السريعة، وأبرزها طريق مصر الإسكندرية الزراعي، التي لا يكفي الغسيل المعتاد لها بالماء لإزالة تلك السموم.

كذلك صور التلوث الصناعي، سواء بإلقاء المخلفات في البحيرات؛ مما نجم عنه انتشار الفشل الكبدي بين صيادي بحيرة المنزلة وغيرها، وإلقاء المخلفات الصناعية بنهر النيل، أو التلوث المنبعث من مداخن تلك المصانع؛ وأبرزها مصانع الأسمنت والسماد، وإلقاء سكان القرى المجاورة للنيل مخلفات الصرف الصحي فيه، وكذلك الحيوانات النافقة.

بيوت بلا دورات مياه

رغم صدور 9 قوانين تنص على ردم البرك والمستنقعات التي تتسبب مياهها الراكدة في تكاثر البعوض الناقل للأمراض، والنص بالقوانين على إبلاغ كل من شيخ البلد والعمدة بوصفهما أعلى مسؤولين بالقرى، عن تلك البرك للجهات المختصة لردمها، وفرض غرامة مالية عليهما في حال عدم الإبلاغ؛ فقد أشارت بيانات جهاز الإحصاء الحكومي إلى وجود 450 بركة في بداية عام 2021 بمساحة 15 مليون ألف متر مربع، تم خلال العام ردم مساحة 529 ألف متر منها فقط، أي بنسبة 3.5 % من إجمالي المساحة.

يرافق ذلك استمرار ظاهرة بمحافظات الجنوب وهي خلو بيوت الريف من وجود دورة مياه خاصة بها، ويستعمل الرجال والشباب دورة مياه مسجد القرية، ويقضي الأطفال حاجتهم بجوار المنزل، بينما تنتظر النساء حتى يحل الليل ليذهبن إلى أماكن مخصوصة في الخلاء لقضاء الحاجة، وقامت بعض جهات المعونات الدولية بتقديم قروض ميسرة لبعض تلك القرى لإنشاء دورات مياه بالبيوت.

منها معهد الشؤون الثقافية البلجيكي، وهيئة كير، والإغاثة الكاثوليكية، والمنظمة العربية الكشفية، كما نبهت اليونيسيف لخطورة المشكلة على صحة المرأة والطفل في تلك الأماكن. وكان جهاز بناء وتنمية القرية التابع لوزارة الإدارة المحلية قام بعمل عدد من دورات المياه بالبيوت في القرى كلما تيسرت له موارد مالية، لكن الجهاز ألغي منذ عام 2016.

وكان تعداد السكان والمنشآت الصادر عن جهاز الإحصاء يحصر العدد حتى تعداد 2006، وبعدها اكتفى بحصر السكان الذين يستخدمون دورات مياه مشتركة، كما حدث في التعداد الأخير للسكان والمنشآت، إذ ذكر رئيس الجهاز أمام رئيس الجمهورية الذي حضر حفل إعلان نتائج التعداد أن هناك 8.1 ملايين شخص يستخدمون حمامات مشتركة داخل ما يعرف "بمساكن الشرك".

حيث تقيم عدة أسر في شقة واحدة بواقع حجرة واحدة لكل أسرة، ويستخدم الجميع دورة مياه واحدة، وأحيانا توجد دورة المياه في الطابق الأرضي ويستخدمها كل سكان طوابق المنزل، وأشار رئيس الجهاز إلى أن أعلى عدد للمستخدمين لدورات المياه المشتركة بمحافظة سوهاج بنحو 1.289 مليون شخص، تليها محافظة المنيا بنحو 1.180 مليون شخص، ومحافظة أسيوط 1.127 مليون شخص، وكلها محافظات تقع جغرافيا جنوب البلاد.

انتشار الغش والتلوث الغذائي

وهو ما يتصل بضعف معدلات اتصال البيوت بشبكة الصرف الصحي جنوب البلاد، وهو ما توضحه بيانات التعداد نفسه، ببلوغ نسبة السكان الذين لا تتصل منازلهم بالشبكة العامة للصرف الصحي بمحافظة قنا ما نسبته 83.7%، وفي كل من محافظتي أسيوط والمنيا 80%، وفي محافظة سوهاج 78%، ومحافظة الأقصر 76%، ومحافظة البحيرة (شمال البلاد) 69%، ومحافظة أسوان 59%، وفي محافظتي الشرقية (شمال) وبني سويف (جنوب) 58%.

قضية أخرى تتعلق بتلوث الغذاء عبر إضافة الهرمونات لتسريع نضج الثمار، مما تنجم عنه فواكه وخضر متضخمة لكنها عبارة عن كتلة من السوائل، وتتعدد صور غش الأغذية بإضافة مواد ضارة بالصحة إلى منتجات الألبان وغيرها، وكذلك عرض الخبز مكشوفا في الشوارع، وانتشار الباعة الجائلين ممن لا يحملون شهادات صحية.

وذكر صاحب محلات سلع غذائية أن أغلب السلع الغذائية المعروضة مغشوشة، وقام بثني قطعة بسكويت محشوة بالعجوة، لتتفتت بالثني قائلا لو كان ما بها عجوة حقيقية لتجاوبت مع الثني. فمع الغلاء يضطر الصناع لإدخال مواد إضافية لخفض السعر حتى يمكن بيع السلع.

ويتصل بذلك ذبح الحيوانات غير السليمة خارج المذابح الحكومية، وحتى التي يتم ذبحها داخل الجهات الرسمية يتم نقلها في عربات نقل مكشوفة، ويتم عرضها بواجهات محلات الجزارة مكشوفة معرضة للحشرات، ويتصل بذلك ما ورد في تعداد السكان الأخير من وجود 7.7 ملايين فرد يستخدمون مطابخ مشتركة، في نطاق "مساكن الشرك"، وهو ما يقلل جودة عملية النظافة ويزيد فرص التلوث مع استخدام عدة أسر المطبخ نفسه.

وهكذا فإن أوضاع البيئة المصرية خاصة في القرى والعشوائيات تشهد أحوالا صعبة ومؤلمة، وتختلف تماما عما يتردد في القاعات المكيفة بالندوات والمؤتمرات وعلى شاشات الفضائيات عن أوضاع البيئة المصرية.

المصدر: الجزيرة نت