محمود عبدالهادي يكتب: عام على حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا | (1) مأزق بوتين الصعب!

الاثنين - 27 فبراير 2023

- محمود عبد الهادي
( كاتب صحفي وباحث )

مضى العام الأول من الحرب الروسية على أوكرانيا، مخلّفًا وراءه حسب الأمم المتحدة أكثر من 8 آلاف قتيل وأكثر من 13 ألف جريح من المدنيين، ونزوح حوالي 14 مليون شخص، إضافة إلى 18 مليونًا بحاجة إلى مساعدة. وتقدّر المصادر الغربية غير الرسمية سقوط حوالي 100 ألف جندي أوكراني و200 ألف جندي روسي بين قتيل وجريح.

كما خلّف وراءه دمارًا هائلاً كليًّا أو جزئيًّا في آلاف المباني السكنية والمؤسسات والبنى التحتية، ما أثّر بشكل كبير على جميع قطاعات الدولة، وعلى رأسها التعليم والصحة والإنتاج. إنها الحرب المجنونة التي يصنع قادتها عادة من الضحايا والدمار شعارات وطنية تمجّد بطولاتهم الوهمية، وتخلّد جرائمهم الإنسانية، التي لا يكترثون مطلقًا لما تسببه من آلام ومعاناة.

حرب مجنونة تدفع أوكرانيا فيها ثمنًا تاريخيًّا باهظًا بسبب صراعات الهيمنة الدولية من جهة، ونزق القيادة الأوكرانية من جهة أخرى. فإلى متى ستستمر هذه الحرب؟! وهل ستنجح الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها، وجرّ بوتين إلى النهاية التي وصل إليها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي أو أن المراحل المقبلة من الحرب ستدفع روسيا إلى اللجوء إلى ما تخشاه الولايات المتحدة ودول الناتو والعالم؟

لن تتراجع الولايات المتحدة عن هزيمة بوتين، لأن انتصاره يعني انتهاء النظام الدولي الحالي، وانتهاء زعامة الولايات المتحدة للعالم

حتى لا ننسى!

في بداية الحرب، كتبت في هذه الزاوية سلسلة من المقالات تحت عنوان "حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا"، سقت فيها الكثير من الخلفيات والمعلومات التي تقربنا من حقيقة ما يجري في أوكرانيا. وحتى لا تشغلنا تفاصيل العمليات الدامية والتصريحات المتلاحقة والتغذية المستعرة لأتون الحرب؛ نذكّر بالخلاصات التي انتهينا إليها في هذه المقالات:

  • أن لجوء روسيا إلى الهجوم على أوكرانيا، والسعي لتحقيق أهدافها السياسية بوسائل عسكرية، يعتبر خطأ إستراتيجيًّا تاريخيًّا، ما كان لها أن تقع فيها مهما كانت الأسباب، في ظل الخبرات المتراكمة المتوارثة من حقبة الاتحاد السوفياتي.
  • أن دوافع روسيا من الهجوم على أوكرانيا تعتبر دوافع موضوعية من المنظور الأميركي، من أجل تأمين مصالحها وحماية حدودها الغربية من التهديدات الغربية الزاحفة، على غرار ما قامت به الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان اللتان لا تشكلان أي تهديد جيوسياسي على الولايات المتحدة، حيث لفّقت الأدلة اللازمة لغزو العراق، بذريعة كاذبة تزعم تهديد العراق للولايات المتحدة لامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.
  • أن الولايات المتحدة كان بإمكانها تسوية الأزمة بالطرق الدبلوماسية والحوار السياسي، انطلاقًا من موقعها القيادي، ودعواتها المستمرة للحوار السلمي كوسيلة لحل النزاعات، وانطلاقًا من علاقاتها مع روسيا التي شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات السابقة لإدارة بايدن، التي أصرّت على موقفها الداعم بشدة للمطالب الأوكرانية، لم ترغب في مواصلة الجهود الدبلوماسية وإيجاد حلول سياسية للأزمة قبل اشتعالها، بل تحركت في السنوات التي سبقت الحرب إلى زيادة الدعم المخصص لأوكرانيا وتأهيل كوادرها العسكرية والأمنية.
  • أن دوافع الحرب لدى الولايات المتحدة هي التخلّص من التهديد الذي تشكّله روسيا ومن قبلها الصين على الولايات المتحدة ومستقبل قيادتها للعالم، بعد أن أعربت الصين وروسيا مرارًا عن ضرورة تغيير النظام العالمي الحالي أحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب يقوم على المصالح المتبادلة، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.
  • أن الحرب ليست موجهة ضد روسيا والشعب الروسي، وإنما ضد الرئيس بوتين والقيادة المحافظة التي معه، والتي ترفض الاستمرار في العمل مع النظام الدولي الراهن بقيادة الولايات المتحدة، والقيم التي تقوم إدارة بايدن بفرضها على دول العالم.
  • أن الحرب قد تستمر لعدة سنوات، ما يعني أن الولايات المتحدة وضعت جميع السيناريوهات المحتملة، وأنها لن تتراجع عنها حتى تتحقق أهدافها.
  • أن الرسالة الأهم من هذه الحرب، توجهها الولايات المتحدة للصين، التي باتت المهدد الأكبر لمستقبل الزعامة الأميركية في العالم، عسكريًّا وتكنولوجيًّا واقتصاديًّا.
  • ومن هنا لن تتراجع الولايات المتحدة عن هزيمة بوتين في هذه الحرب، لأن انتصاره فيها يعني انتهاء النظام الدولي الحالي وانتهاء زعامة الولايات المتحدة للعالم.

التغيّرات العسكرية والاقتصادية والسياسية نهاية السنة الأولى للحرب، أضعفت الموقف الروسي عما كان عليه في البداية. ومن المفترض أن تدفع هذه التغيّرات القيادة الروسية إلى تغيير شامل في إدارة الحرب في الشهور المقبلة

النهايات ليست كالبدايات

لم تكن نهاية العام الأول من الحرب الروسية على أوكرانيا كأوله، حيث حدثت الكثير من التغيرات على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية على وجه الخصوص، التي أضعفت الموقف الروسي عما كان عليه الحال في بداية العام. ومن المفترض أن تدفع هذه التغيّرات القيادة الروسية إلى تغيير شامل في إدارة الحرب في الشهور المقبلة.

على المستوى العسكري، كان الفرق في ميزان التسلح بين روسيا وأوكرانيا هائلاً جدًّا لصالح روسيا، التي تعتبر ثالث أقوى جيش في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، وتعتبر أكبر دولة نووية في العالم، وكان الدعم العسكري الغربي متواضعًا جدًّا، ما عزز التفكير لدى الكثير من المراقبين من سرعة احتلال روسيا لأوكرانيا وإسقاط حكومة فولوديمير زيلينسكي وتعيين حكومة بديلة موالية، حسب الأهداف التي أعلنتها موسكو في حينه.

لكن صمود القوات الأوكرانية وتدفق الدعم الغربي إلى أوكرانيا قلب الموازين، فرغم كثافة النيران الروسية، مُنيت القوات الروسية بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وكشفت عن إشكالات كبيرة في القدرات العسكرية التقليدية الروسية وإدارة عملياتها الميدانية.

أما أوكرانيا التي كانت تطالب في بداية العام بمعدات عسكرية أوليّة، فقد أصبحت مع نهاية العام تمتلك العديد من راجمات صواريخ متطورة ودبابات حديثة ومنصات صواريخ باتريوت، بل نستطيع القول إنه لم يبق لأوكرانيا إلا استلام الطائرات الحربية المتطورة، ما سيزيد من قدراتها القتالية في إلحاق المزيد من الخسائر في صفوف الجيش الروسي، الذي يبدو أنه بحاجة إلى تطوير مهاراته العسكرية القتالية والنفسية. لقد أكد الواقع الميداني حتى الآن تفوّق الأسلحة الغربية التقليدية على مثيلتها الروسية، مما قد يدفع القيادة الروسية إلى اللجوء لاستخدام أسلحة تكتيكية جديدة لم يسبق استخدامها، تضطر الولايات المتحدة والدول الغربية لإعادة حساباتهم قليلاً، واتخاذ خطوات محسوبة إلى الخلف.

أما اقتصاديًّا، فقد صمدت روسيا في وجه العقوبات الغربية، رغم قسوة هذه العقوبات، تم إيجاد حلول سريعة لأزمات الطاقة والقمح وارتفاع الأسعار، خفّفت من حدة الفزع الذي أصاب دول العالم، وفي مقدمتها الدول الغربية. وقد أدى ذلك إلى فقدان روسيا لورقة ثمينة جدًّا كانت تأمل أن تشكّل ضغطًا على صانعي القرار في الدول الأوروبية على أقل تقدير.

أما سياسيًّا، فقد نجحت الولايات المتحدة في تحقيق العديد من الخطوات التي تضعف كثيرًا من موقف روسيا على المستويين الإقليمي والدولي، وتزيد من عزلتها، وقد أكد هذه العزلة التصويت الذي قامت به الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 من الشهر الجاري، حيث أيّدت 141 دولة القرار الذي يطالب روسيا بالانسحاب الفوري الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي الأوكرانية، بينما امتنعت 32 دولة عن التصويت من بينها الصين والهند وإيران، فيما عارض القرار 7 دول فقط هي: روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وسوريا ونيكاراغوا وإريتريا ومالي.

ومن جهة ثانية فقد نجحت الولايات المتحدة كذلك في إعادة الثقة لحلف الناتو، وتعزيز علاقتها معه بعد الاضطراب الذي أصابها في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب. وقد استطاعت إدارة بايدن أن توحّد موقف دول الناتو من الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأن تشارك معها في تقديم الدعم اللازم لأوكرانيا.

يبدو الموقف الراهن مع نهاية العام الأول للحرب، ليس في صالح روسيا والرئيس بوتين، فماذا يخبئ بوتين في جعبته لاسترداد عافية قواته، ومواجهة الدعم الأميركي والغربي الهائل الذي شهده العالم مؤخرًا، والدعم الذي تمّ الالتزام به للعام الثاني للحرب، والذي بلغ 45 مليار دولار من الولايات المتحدة وحدها؟

(يتبع… استعجال الإدارة الأميركية التبشير بالنصر)
المصدر الجزيرة نت