ممدوح الولى يكتب: تقييم لأداء محافظ البنك المركزي المصري السابق

الاثنين - 29 آغسطس 2022

- ممدوح الولي
( كاتب متخصص فى الشأن الإقتصادي المصري )

قبل 4 أيام من تغيير محافظ البنك المركزي المصري، نفى نائب المحافظ لوكالة أنباء الشرق الرسمية إشاعة استقالة المحافظ، مدلّلا على حسن أدائه طوال فترة توليه التي اقتربت من 7 سنوات بارتفاع أرصدة الودائع في المصارف المصرية إلى 9 تريليونات جنيه.

وهكذا رأى نائب المحافظ أن معايير نجاح المحافظ تتمثل في معدلات النمو التي تحققت خلال توليه. وبرصد تلك المعدلات من خلال الحسابات التي قمنا بها، ما بين شهر توليه وبيانات آخر شهر نُشرت، أي ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ومايو/أيار 2022، فقد زادت أصول البنوك المصرية من 2.511 ترليون جنيه إلى 9.733 تريليونات جنيه، بنسبة نمو 288%.

وعلى المنوال نفسه، فقد زادت أرصدة الودائع بنسبة 284%، وأرصدة القروض بنمو 347%، والاستثمارات في الأوراق المالية شاملة أذون الخزانة بنسبة 239%.

ولكن خبراء التحليل المالي للبنوك لا يكتفون بمعدلات النمو مجردة، بل يبحثون عن أسبابها، وإن كانت عوامل طارئة أم مستمرة، وعن الظروف الاقتصادية المحيطة من رواج أو كساد، إلى غير ذلك. ومن هنا، نذكر أن زيادة أرصدة الودائع خلال فترة تولّي المحافظ السابق التي استمرت 6 سنوات و9 أشهر تعود لجملة أسباب، أبرزها عاملان رئيسان، هما تغيير سعر الصرف واحتواء أرصدة الودائع والقروض على الفوائد المتراكمة مما يضخمها.

لمعرفة نسب النمو الحقيقية، يتطلب الأمر أيضا استبعاد أثر فوائد أرصدة الودائع والقروض القديمة، إلا أن هذا غير ممكن، لعدم إفصاح البنك المركزي عن حجم الودائع أو القروض الجديدة خلال الفترات المختلفة، وفصلها عن أرصدة كل من الودائع والقروض، ومن هنا تصبح معدلات النمو الحقيقية مجهولة.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2015 تغير سعر الصرف، وانخفض بين نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني بالمقارنة بنهاية الشهر السابق له بنسبة 104%، وذلك ما تكرر في مارس/آذار 2022 بانخفاض بنسبة 16%، وهو الانخفاض الذي استمر في الشهور التالية بصورة أخف.

وترتب على ذلك زيادة أرصدة الودائع بالعملات الأجنبية التي يكون إعلانها بالجنيه المصري، من 330.8 مليار جنيه إلى 660.4 مليار جنيه، في شهر تحرير سعر الصرف بنسبة نمو 99.6%، وهو ما تكرر في مارس/آذار 2022 بزيادة أرصدة الودائع بالعملات الأجنبية بنسبة 19.8% بالمقارنة بالشهر السابق له.

وتكرر ذلك مع محفظة الاستثمار بالأوراق المالية بالعملات الأجنبية، التي زادت في شهر تحرير الصرف بنسبة 117%، وفي مارس/آذار من العام الحالي بنسبة 16.8%، والأثر نفسه حدث مع أرصدة القروض بالعملات الأجنبية، وذلك ما انعكس على زيادة أصول والتزامات البنوك بتلك النسبة المرتفعة من النمو.

تحييد أثر سعر الصرف يقلل النمو

ولتحييد أثر سعر الصرف، قمنا بمقارنة أرصدة أصول البنوك، ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ومايو/أيار 2022 بالدولار، حسب سعر الصرف السائد وقتئذ، فكانت النتيجة نمو أرصدة الأصول بنسبة 63% فقط مقابل نسبة 288% السابقة، وفي أرصدة الودائع كانت نسبة النمو 61% مقابل نسبة 284% السابقة، وفي أرصدة القروض كانت نسبة النمو 88% مقابل نسبة 347% عند احتسابها بالجنيه.

ولمعرفة نسب النمو الحقيقية، يتطلب الأمر أيضا استبعاد أثر فوائد أرصدة الودائع والقروض القديمة، إلا أن هذا غير ممكن، لعدم إفصاح البنك المركزي عن حجم الودائع أو القروض الجديدة خلال الفترات المختلفة، وفصلها عن أرصدة كل من الودائع والقروض، ومن هنا تصبح معدلات النمو الحقيقية مجهولة.

ولا يكتفي المتخصصون بمعدلات النمو للحكم على أداء البنوك بل يهتمون بمؤشرات الأداء، من مؤشرات للربحية وجودة الأصول والسيولة وكفاية رأس المال، وبتطبيق المقارنة نفسها بين مؤشرات سبتمبر/أيلول 2015 ومارس/آذار 2022، فتلك المؤشرات تصدر فصلية، ففي مؤشرات الربحية كان العائد على متوسط الأصول 1.3% ليصبح 1.2%، وكان معدل العائد على متوسط حقوق الملكية 18.9% ليصبح 16.1%، وبما يشير إلى تراجع الربحية في فترة المحافظ السابق.

وفي مؤشرات جودة الأصول، كانت نسبة مخصصات القروض إلى القروض غير المنتظمة 99% لتصبح 92.3%، ونسبة القروض المقدمة للقطاع الخاص من إجمالي القروض الممنوحة للعملاء 75.9% لتصبح 57.3% نتيجة توسع الحكومة بالاقتراض.

وفي مؤشرات السيولة، كانت نسبة الودائع للأصول 76.7% لتصبح 74.1%، ونسبة القروض للودائع بالعملات الأجنبية 69.1% لتصبح 68.4%.

5 سنوات من الخسائر بالمركزي

وبالطبع، سيكون هناك من يقول إن لكل بنك إدارته المسؤولة عنه، وإن المحافظ مسؤول بالدرجة الأولى عن إدارة البنك المركزي، وهنا تظهر المفاجأة بتحقيق البنك المركزي المصري خسائر متوالية خلال 5 سنوات مالية، بدأت بالعام المالي 2017-2018 بخسائر بلغت 32 مليار جنيه.

واستمرت في العام المالي التالي بنحو 31 مليار جنيه، وفي العام المالي 2019-2020 انخفضت الخسائر إلى 11مليار جنيه، لكنها قفزت في العام المالي التالي إلى 60 مليار جنيه، ولم تظهر بعد نتائج العام المالي الأخير 2021-2022، لكن بيانات الأداء الشهري للبنك المركزي أشارت إلى بلوغ الخسائر خلال 11 شهرا من ذلك العام المالي 110 مليارات جنيه.

وجاءت الخسائر رغم التزام البنوك بإيداع نسبة من ودائعها بالبنك المركزي بلا عائد، وهو ما يسمى بالاحتياطي الإلزامي الذي كانت نسبته 10% من أرصدة الودائع، وزادت إلى 14% منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، ولهذا ارتفعت أرصدتها من 109 مليارات جنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إلى 374 مليار جنيه في مايو/أيار من العام الحالي، وهي الأموال التي يمكن للبنك المركزي توظيفها بما يجلب عليه من عوائد.

وبسبب تلك الخسائر، قامت وزارة المالية بسد النقص في حقوق الملكية بالبنك المركزي، حتى لا تصبح سالبة، وهي الوزارة المصابة بالعجز المزمن بالموازنة. وبعد أن كان المركزي في عهد المحافظين السابقين يسهم في إيرادات الموازنة الحكومية بما يحققه من أرباح، تحوّل إلى عبء على الموازنة العامة.

وهناك من سيقول إن مهام محافظ البنك المركزي بالاقتصاد أكبر من دوره تجاه البنوك وتجاه البنك المركزي نفسه، حيث يختص البنك المركزي -حسب المادة السادسة من قانون البنوك- بوضع السياسة النقدية وتنفيذها، ووضع نظام وسياسة سعر الصرف، والاحتفاظ باحتياطيات الدولة من الذهب والنقد الأجنبي وإدارتها، وغير ذلك من المهام.

الاعتماد على الأموال الساخنة وتثبيت الدولار

وهنا، نزعم أن تلك المهام كانت السبب في إقالته وليس استقالته كما قيل رسميا، فقد اعتمد المحافظ على مشتريات الأجانب لأذون وسندات الخزانة المصرية كمصدر رئيس للعملات الأجنبية، وقام برفع الفائدة مرات عدة استهدافا لاستمرار شرائهم لأدوات الدين الحكومية المصرية، رغم إضرار رفع الفائدة بتكلفة فوائد الديون بموازنة الدولة وزيادة العجز بالموازنة، وتسببها كذلك برفع تكلفة المنتجات والخدمات لدى القطاع الخاص بما يقلل من تنافسيتها محليا ودوليا.

واعتمد على تلك الأموال الساخنة في تثبيت سعر الصرف منذ عام 2017 حتى بدايات العام الحالي لأقل من 16 جنيها للدولار، حتى في عام كورونا الذي سارعت فيه دول عديدة لخفض سعر عملتها لتشجيع الصادرات، لكنه  خاطر بتحريك عنيف للسعر في شهر مارس/آذار الماضي، واستمر في الخفض خلال الشهور التالية بعد تفاقم نقص الدولار.

وكثيرا ما حذره خبراء من تلك الأموال الساخنة التي لها بمصر تجارب سلبية، فبين عامي 2006 و2021 خرجت من مصر بشكل عنيف في أعوام 2008 و2009 و2011 و2018 و2020، إلى جانب خروج أقل حدّة في سنوات 2006 و2007 و2010 و2019، وكانت النتيجة خروجها في الربع الأخير من العام الماضي بقيمة 6 مليارات دولار، وفي الربع الأول من العام الحالي بقيمة 14.8 مليار دولار.

وقد تسبب ذلك في عجز كبير بصافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي، تزايدت قيمته حتى بلغ 19.7 مليار دولار في يونيو/حزيران من العام الحالي، منها 8.2 مليارات دولار عجز بالبنك المركزي و11.5 مليار دولار عجز في بقية البنوك، مقابل عجز بها بلغ 1.285 مليار دولار عند توليه، منها 1.2 مليار دولار بالبنك المركزي و85 مليون دولار ببقية البنوك حينذاك.

وأدى ذلك إلى عودة السوق السوداء للدولار، مما دفعه إلى تقييد الواردات لتخفيف الضغط على الدولارات المتاحة، الأمر الذى أدى إلى تأثر الصادرات التي تعتمد على نحو 60% مكونات أجنبية.

كذلك أدى إلى تراجع قيمة الصادرات في مايو/أيار من العام الحالى إلى 4 مليارات دولار مقابل 4.9 مليارات في الشهر السابق، بل أقل من الأشهر الثلاثة السابقة، وزادت المشكلة في يونيو/حزيران عندما انخفضت إلى 3.7 مليارات دولار لتقلّ عما كانت عليه في الأشهر الخمسة السابقة، أما الحكومة فكانت تعوّل على زيادة الصادرات لتعزيز الموارد الدولارية.

المصدر الجزيرة نت